دائماً ما يشغلني سؤال مؤداه: هل نستطيع قراءة أذهان الآخرين؟ وهل نستطيع معرفه ما يدور في عقلية الإنسان، والتي ينتج عنها سلوكياته؟ اختلفت الآراء حول القدرة على فهم ما يدور في أذهان الآخرين من دوافع وانفعالات وعواطف وأفكار. فنحن أمام أذهان مختلفة نتشابه معها في أشياء، ونتباين معها في أشياء أخرى، ولكن يبقى التواصل هو الوسيلة لتبادل النظر إلى بعضنا ومعرفة أفكارنا وانفعالاتنا، والتواصل المادي يتم من خلال التواصل البصري أو السمعي أو الحسي هو جزء من التواصل. وليس كل التواصل، فالأكثر أهمية هو إدراك ما لا ينطق، وذلك يأتي من خلال عدة لغات أخرى وأهمها الوعي بآلية تفكير الآخر، وتوقع سلوكياته بناء على قاعدة سابقة من السلوكيات منها العام، ومنها الفردي. فعلى سبيل المثال حين أرى شخصاً مبتسماً يعكس ذلك لي حالة ذهنية سعيدة، والعكس صحيح، ولكن هناك قواعد فردية، وهذه تكون أكثر وضوحاً، حين يكون هناك علاقة ما بيننا وبين فرد آخر، فإن رصيد خبرات تصرفاته وسلوكياته التي خزنت في عقولنا تعطينا قدراً من المعرفة لحالته الذهنية، والتعرف على ما قد يدور في ذهنه في مواقف معينة وتوقع سلوكياته أيضاً.
ورغم ذلك تبقى ذهنية الآخر يصعب التعرف إلى حقيقتها في كل حالاته وانفعالاته، لذلك يعمل علم الاجتماع المعرفي على قراءة الفرد في سياق المجتمع، فنحن كأفراد لا نكتمل إلا داخل المجتمع، وعلاقاتنا هي الدافع إلى معرفة الآخر في محاولة لقراءة ذهنية من يقاسمنا وجودنا المجتمعي، لنكسر ذلك الحاجز الجليدي من الغربة عن الآخر ونتكامل بتواصلنا، وهذا يتطلب خلق شبكات معرفية في محيطنا الاجتماعي، من خلال معارف متنوعة بالقراءة لانعكاس أفكار الآخر على سلوكياته، وظواهر انفعالاته التي تعطينا الانطباع عما يدور في ذهنيته من انفعالات وأفكار، ما يتيح لنا فرصة إدراك عواطفه وفهم نواياه بشكل يقترب من الحقيقة.
ولكي تتكامل هذه العملية التواصلية الذهنية مع الآخر، ومعرفة ما يدور في ذهنه، علينا تقويه مهارات التفكير التحليلي، وأجد أن فعل القراءة المرتبط بدافعية المعرفة والتعلم، وإدراك المحيط بالفرد هو من أهم العوامل المساعدة على تنمية مهارات التفكير، فالقراءة تنتج أسئلة تمنح الخيال حيويته، وتبني في العقل طاقة تفتح الكثير من مخازن الأفكار المغلقة، وتلقي الدهشة والتساؤلات التي تبحث عن الإجابات ما بين الذات والآخر، فالأسئلة تبقى عاملاً أساسياً على تطوير مهارات التفكير وتحفيزه، وتدفعنا إلى البحث عن المعرفة والبحث عن المزيد من طرح الأسئلة الكاشفة لذهنية الآخر، فتنشط حالة من التواصل الدائري غير المنتهي بين أفراد المجتمع كافة، وتوالد الكثير من الأسئلة المحفزة على التفكير والإبداع، ومنها ما تجعلنا أمام حتمية تغير نظرتنا لبعض الأفكار والمعتقدات والأفعال.
هل التعليم له دور في التعرف على ذهنية الآخر؟ نعم فالتعليم القائم على الكفاءة المعرفية، وتنمية أنماط التفكير والإبداع ومهارات الاستقراء له دور كبير في تنمية قدرات التفكير التحليلي، والقدرة على قراءة ذهنية الآخر، وتوقع سلوكياته وانفعالاته.
بقي أن أقول إن التعرف على ذهنية الآخر وانفعالاته يساهم بدور كبير في تقوية الترابط المجتمعي، ويقوي العلاقات الإنسانية، فكيف لمجتمع أن يتماسك دون أن يكون هناك قوة ترابط معرفي وفكري وإدراكي بين الأفراد، والتي تدعمها معرفة أفراد المجتمع لبعضهم، وإدراك فضائهم الفكري والسلوكي.
من منطلق أن الأسئلة تولد الإجابات التي تفضي بنا إلى المعرفة طبقاً لمنهجية أرسطو، أترك لك بعض الأسئلة قد تصل بها إلى قراءة أذهان الآخرين برؤية قد تختلف عما كانت عليه، وقد تجد هذه الأسئلة تولد أسئلة أخرى لتعطيك إجابات جديدة، وكلما زادت الأسئلة، اتسعت دائرة المعرفة، ومن أهم الأسئلة: 
في أي شيء تتشابه مع هذا الآخر؟ وما هي الأمور التي تختلف فيها معه؟ من خلال هذا السؤال ستكون أنت النموذج الذي تقيس عليه ذهنيته، وخاصة في تلك التشابهات التي بينكما. ما هي المشاكل التي يواجهها وتشعر فيها بالأثر فيك وتشعر أنك تألفها؟ سيدفعك هذا السؤال إلى تفهم مشاكل الآخر، وإدراك منهجية تفكيره في الحلول والتعامل مع الأزمات.
هذه مجرد أمثلة على بعض الأسئلة التي لو طرحتها على ذاتك في محاولة لفهم ذهنية الآخر ستفضي بك من خلال القراءة التحليلية والإجابات إلى اكتساب قدر كبير من الوعي بالآخر واستقراء سلوكياته، وبالتالي بناء علاقة اجتماعية قوية قائمة على المعرفة والوعي والتبصر.

* أستاذ زائر بكلية التقنية العليا للبنات، وباحثة في الأمن الاجتماعي والسياسي