باتت أفريقيا القارة السمراء مسرح عمليات كثيرة، حيث توجه ويتوجه نحوها الطامعون في خيرها وثرواتها، ممن ينظرون إليها كمنجم لا أكثر، فهم لا يتركون ركناً داخل أرجاء القارة إلا ويتحركون فيه. ومن الواضح أن أنقرة تحاول التغلغل في مفاصل مؤسسات دول أفريقية عدة، خصوصاً وأنها حصلت على صفة مراقب لدى الاتحاد الأفريقي، وهو ما يمكّنها من تحقيق مآربها. فهي دخلت ليبيا وتدخّلت في الشأن الليبي سياسياً وعسكرياً، وقبل ذلك وضعت أقدامها في ميناء سواكن في السودان، كما تمددت سلطتها على ساحل البحر الأحمر في القرن الأفريقي عبر الصومال، ولديها تحركات حثيثة للاستئثار بالكثير من المنافع والثروات الموجودة في أفريقيا، وكل ذلك يحدث عبر طرق أخرى غير العسكرية والسياسية، ومن بينها الطريقان الثقافي والاقتصادي، فهي –أي تركيا- تقدّم المنح الدراسية للطلبة الأفارقة، وقد استقطبت أكثر من 10 آلاف طالب وطالبة ممن تخرجوا في جامعاتها، ولا شك أن سفارتها الموجودة في أكثر من 42 دولة أفريقية هي الذراع الذي يحقق ذلك، عدا عن المكاتب التجارية التي يزيد عددها عن 26 مكتباً، وبعقل مصلحي تدير أمورها بعيداً عن الهدف الأسمى الكائن في تنمية المجتمعات.
ولأن معظم الدول الأفريقية بحاجة إلى تنمية في مختلف المجالات، والاقتصادية منها بالتحديد، فإن دول عربية وغربية عدة تقدّمت بمشاريع يمكن أن تسهم في نهضة أفريقيا التي تعاني معظم دولها من أوضاع اقتصادية صعبة للغاية، وهو ما يؤثر بالتالي على معيشة الفرد فيها.
وإيماناً بالمثل الأفريقي القائل (إذا أردت تحريك الجبال غداً فعليك البدء في نقل الحجارة اليوم)، فقد تحركت الإمارات قبل سنوات عديدة لإقامة مشاريع في عدد من الدول الأفريقية، حيث أرادت أن تكون شريكاً فاعلاً بها، وهو ما أهّلها أن تصبح في عام 2016 ثاني أكبر مستثمر فيها، وهي مستمرة في عملها هذا.
ففي فبراير الماضي أعلنت الإمارات عن التزامها باستثمار 500 مليون دولار عبر مبادرة (كونسورتيوم الإمارات العربية المتحدة من أجل أفريقيا)، والتي تستهدف الإسهام في تحقيق رؤية بناء متسارع لأفريقيا جديدة أكثر اتصالاً وتمكيناً يقودها الشباب، وذلك لبناء رأس المال البشري في القارة على المدى البعيد، مع إيلاء التحول الرقمي الأولوية خلال المرحلة الراهنة.
تلك المبادرة وسواها من المبادرات الجادة تؤكد حقيقة واحدة، وهي تحقيق الاستقرار في المنطقة، ذلك الأمر الذي لا يحدث إلا عبر المشاريع التي تدعم الخطط الطموحة لتنمية حياة شعوب أفريقيا بدلاً من تركها فريسة لأطماع المتربصين والمتعطشين لنهب خيراتها وثرواتها.
ورغم التحديات التي تحيط بالقارة الأفريقية إلا أن وعي أبنائها يدفعهم دوماً نحو مواكبة العصر لتحقيق آمالهم، خاصة وأنهم يمتلكون قدرات ومهارات تمكّنهم من ذلك، وهم الذين يثبتون حضورهم الفاعل في مختلف المجالات، بدءاً من الرياضة إلى العلوم والاقتصاد، وكم من جوهرة أفريقية استطاعت أن تتميز بوسائل وطرائق راقية، وهذا الأمر ليس وليد المصادفة، ذلك أن كثيرين من أبناء أفريقيا من شمالها إلى شرقها ومن شمالها إلى جنوبها حققوا منجزات مهمة للعالم على الرغم من الحياة القاسية التي يعيشها أغلبيتهم، والتي تضطرهم إلى هجرة قسرية، وإن كانت غير شرعية بحثاً عن موارد تمكّنهم من العيش بكرامة. لكن، ومن باب أولى، فعلى الدول القادرة أن تقيم استثمارات حيوية في القارة السمراء فتُفيد وتستفيد. والاستثمارات لا تتمثل فقط في المشاريع الاقتصادية، بل بالبدء بإنشاء بنية تحتية عصرية، ومن ثم تأهيل وتدريب الكادر البشري بما يتناسب مع عصر التكنولوجيا. أفريقيا قارة عريقة بتاريخها، ولا بد أن تعود إلى سابق مجدها طالما أن أبناءها موجودون، وثمة من يمد يد العون لهم.