منذ عام 2017، شق أكثر من مليون مواطن من أميركا الوسطى طريقهم إلى الحدود الجنوبية الغربية للولايات المتحدة، مما أدى إلى حملة غير مترابطة لكنها قاسية من قبل إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب. وعلى الرغم من أن مجموعة من الضوابط الحدودية الأكثر تشدداً، علاوة على فيروس كورونا، قد قللت من هذه التدفقات، إلا أنها ستتجدد عندما يتم رفع عمليات الإغلاق بسبب «كوفيد-19».
لكن هذه المرة من المرجح أن ينضم المكسيكيون إلى النزوح الجماعي باتجاه الولايات المتحدة. ويمكن أن تؤدي التوترات الناتجة إلى زعزعة العلاقة بين البلدين الجارين، وهي إحدى أكثر العلاقات الثنائية المنسوجة بإحكام، مما يهدد التعاون بينهما في كل المجالات، من مكافحة المخدرات إلى حقوق المياه والازدهار الذي تدعمه العلاقات الأوثق على جانبي الحدود.
وقد بلغت الهجرة المكسيكية إلى الولايات المتحدة ذروتها في مطلع القرن الماضي. وفي نهايته وأوائل القرن الحالي، كان مئات الآلاف من المكسيكيين يتجهون شمالا كل عام، ويتهرب العديد منهم من نقاط الحراسة الحدودية على طول الطريق. وقد انتشروا في جميع أنحاء البلاد، وانجذبوا إلى الجيوب في كاليفورنيا وتكساس وإلينوي وأريزونا، وأيضاً إلى مواقع أحدث مثل كولورادو وفلوريدا وجورجيا وأيداهو. وتحول الكثيرون من العمل الموسمي في الحقول إلى وظائف أكثر استدامة طوال العام في رعاية الأطفال والفنادق والخدمات المرتبطة بالسيارات.
وبحلول منتصف العقد الأول من القرن الـ21، تباطأ النزوح. وعلى مدى 15 عاماً الماضية، غادر عدد أكبر من المكسيكيين الولايات المتحدة أكثر ممن أتوا إليها. وهو تحول يعكس التقدم الاقتصادي في بلدهم. كما أدى تطبيق إجراءات أكثر صرامة على الحدود الأميركية إلى تثبيط الهجرة الدائرية (وتعني تمكين اليد العاملة المهاجرة من العودة إلى البلد الأصلي)، حيث نادراً ما يعود العمال إلى وطنهم لبضعة أشهر بين مواسم الزراعة.
كما ساعد وجود تعليم أفضل في المكسيك على تغير التركيبة السكانية هناك، فبدءاً من الثمانينيات أصبحت الأسر المكسيكية لديها عدد أقل من الأطفال (طفلين تقريباً في المتوسط). ومقارنة بالتسعينيات، قل عدد المكسيكيين الذين يبلغون 18 عاماً ويبحثون عن عمل سواء في وطنهم أم في الولايات المتحدة.
لكن بدلاً من المكسيكيين، جاءت موجة كبيرة من سكان أميركا الوسطى، مدفوعة بالفقر والعنف والجفاف المدمر بسبب تغير المناخ. وكانت غالبيتهم من النساء والأطفال. وقد انجذبوا، هم أيضاً، بسبب وجود العائلة والأصدقاء والروابط الاقتصادية في الولايات المتحدة. وبذلت إدارة ترامب جهوداً قوية لوقف هذه الموجة. وفي هذا الإطار، قامت بتغيير قواعد اللجوء، في محاولة لإقصاء أولئك الفارين من العصابات أو العنف المنزلي، والحد في حق التقدم بطلب لجوء بالنسبة لأولئك الذين يصلون إلى المعابر الحدودية الرسمية، وزادت من صعوبة التماس الحماية. وغالباً ما كانت تتعرض تلك العائلات التي دخلت إلى أراضي الولايات المتحدة لظروف معيشية غير إنسانية، مثل فصل الأطفال عن والديهم ووضعهم في أقفاص احتجاز.
واعتمدت الولايات المتحدة بشكل كبير على حكومات أميركا الوسطى لمنع هؤلاء المهاجرين المحتملين من مغادرة بلدانهم في المقام الأول. وتحت الضغط، أذعنت المكسيك أيضاً لاحتجاز عشرات الآلاف من سكان أميركا الوسطى لأشهر أو أكثر في انتظار النظر في مطالبهم في محاكم الهجرة الأميركية.
وبالفعل فقد تراجع عدد المهاجرين من أميركا الوسطى. وفي بداية عام 2020، انخفضت التدفقات إلى النصف تقريباً بالقياس إلى العام السابق. ومع القيود المتعلقة بـ«كوفيد-19»، توقفت الحركة تقريباً في شهري أبريل ومايو الماضيين. لكن الأسباب التي دفعت العائلات إلى المغادرة لم تتغير. وبدلا من ذلك، فقد جعل الوباء أحوالها أكثر سوءاً، ليس فقط في أميركا الوسطى، ولكن أيضاً في المكسيك.
والعامل الأكبر الذي أدى إلى عودة المكسيكيين إلى الشمال هو اليأس الاقتصادي: فمن المتوقع أن ينكمش الاقتصاد المكسيكي بأكثر من 10% هذا العام. وحتى قبل حدوث الوباء، انخفض الاستثمار العام والخاص في المكسيك إلى أدنى مستوياته التاريخية. ومنذ ذلك الحين، فقدَ أكثر من 12 مليون مكسيكي مصادر رزقهم، حيث لا تفعل الحكومة الكثير للحفاظ على استمرار الشركات أو للحفاظ على الوظائف.
وبالإضافة إلى عواقب السياسات الاقتصادية التي ينتهجها الرئيس أندريس مانويل لوبيز أوبرادور، فقد قلّل إلغاؤه لإصلاحات التعليم من الاهتمام باستمرار الطلاب في المدارس.
ودفع العنف المتصاعد أيضا الآلاف من المكسيكيين إلى مغادرة منازلهم ومجتمعاتهم. وزادت جرائم القتل خلال العام الماضي عن 34,000 جريمة. وكان النصف الأول من عام 2020 أكثر فتكاً.
وتدفع هذه العوامل المكسيكيين إلى المغادرة، وتجذبهم العلاقات الاقتصادية والاجتماعية شمالا.
وإذا كان الماضي يدل على أي شيء، فمن المتوقع أن يتجه الكثير من المكسيكيين شمالا: ومنذ يناير، تم القبض على عدد أكبر من المكسيكيين أكثر من هؤلاء القادمين من أميركا الوسطى.
لن تفلح وسائل إدارة ترامب لتثبيط القادمين من أميركا الوسطى عبر المكسيك. كما أن المكسيكيين أكثر عرضة للنجاح في الوصول إلى الولايات المتحدة، فقرب البلاد يعني أن هؤلاء الذين يتم ترحيلهم يمكنهم بسهولة تجربة حظهم مرة أخرى. ويمكن أن تكون زيادة الهجرة بمثابة عامل تغيير في السياسة الأميركية.

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»