أتاحت أزمة كورونا مجالا كبيرا لأفراد عائلة اللغة العربية الأصيلة المتشعبة حول العالم، كي يقوموا بالتركيز والعناية ببذرة تعليم اللغة العربية لأبنائهم الناطقين بغيرها، ذلك أن أهمية تعلم اللغة العربية لأبناء المجتمعات الناطقين بغيرها لا تقارن بغيرها من الأماكن لما تضطلع به من تحقيق الانسجام مع متطلبات الصون الهوياتي المتناغم والوسط الثقافي والمجتمعي، وبخاصة في ظل التحولات المتسارعة، التي تأخذ بيد كافة المجالات المهمة والدافعة في مسار التقدم بالإنسان، والذي نسمع خلاله لسان حال اللغة يقول كلسان الشاعر حافظ إبراهيم:
أنا البحر في أحشائه الدر كامن... فهل ساءلوا الغواص عن صدفاتي!
إضافة لما لها من دور في إثراء المسار الفكري للأجيال الناشئة، وحتى وصولها لمرحلة المثقفين شغوفي التبحر في تاريخ وثقافات الآخر، وغيرها من المجالات المرتقية بالإنسان وصون قيمه.
ها هي مناهج أغنى لغات العالم، كما نعتها الألماني «جيؤرج فيلهلم فريتاغ»، أو اللغة العربية للناطقين بغيرها كسائر العلوم، تنسلخ من حلتها القديمة مرتدية زي المثابرة الفاعلة، بالتوازي وخطوات الريادة التعليمية العالمية من خلال المناهج الرقمية المتدفقة عبر منصة تشاركية، تضمن التفاعل الأمثل بين أطراف معادلتها، وتسعى من خلال ذلك لتحسين جودة تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها على مستويات مهاراتها الأربع (كتابةً ومحادثةً، وقراءةً، واستماع)، ذلك أن الوسائل الحديثة لم تترك مجالاً لإيجاد عقبات، فالمناهج غدت مادة مرئية غير محسوسة، مشبعة، بالمصادر العلمية، والمراجع والمناهج التفاعلية الذكية، مختصرةً أميالا من المسافات لتبادل وتزويد المعلومات باحترافية ومتعة، للمعلم والمتعلم. 
يقول الفيلسوف الفرنسي إرنست رينان: «اللغة العربية بدأت فجأة على غاية الكمال، وهذا أغرب ما وقع في تاريخ البشر، فليس لها طفولة ولا شيخوخة»، واحتراماً لهذه المكانة الحقيقية، فإن المأمول من النموذج القادم لتعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها، يعتبر مساراً مهماً وإلزامياً وثورياً على طرق وأساليب التدريس، وفي الوقت ذاته، فهو منحة كبيرة حملت بين طياتها المرونة للتغلب على العقبات المتعلقة بالوقت، والكلفة المادية، وطرق التدريس، ومراعاة الخصوصيات الزمنية والمكانية، ذلك أن ما يحتاجه الطالب في نهل منهاج اللغة العربية للناطقين بغيرها في آسيا، مختلف تماماً عما يتوقع تقديمه لطلبة المجتمعات المسلمة في أوروبا، على سبيل المثال لا الحصر. وهنا تبرز قيمة ومكانة تعلم هذه اللغة ذات الرصيد الحضاري، والصون الهوياتي، عبر المنصات الإلكترونية بتقديم اختباراتها وواجباتها عبر منصة واحدة تحت إشراف إحدى المنظمات الدولية أو المؤسسات المشهود لها بدعم اللغة العربية للناطقين بغيرها، والجامعة للمواد العلمية ذات العلاقة بمناهج التدريس عن بُعد.
كما سيتطلب هذا الانتقال الفاعل الانطلاق من إطار مرجعي مشترك لتدريس اللغة العربية للناطقين بغيرها، على غرار الأطر المشتركة للغات الأخرى، للوصول لاستراتيجية واضحة، ذات معايير جودة محددة ومعتمدة في تعليم اللغة العربية رقمياً للناطقين بغيرها، والذي يعني الاستمرارية في تأهيل الموارد البشرية المتخصصة في تدريس اللغة العربية للناطقين بغيرها عن بُعد، مع امتلاك احترافي للمهارات الحاسوبية والتواصلية والتقنية، من قبل كافة أطراف المعادلة التعليمية. وبخاصة إذا ما تمت مواءمة ذلك والمساحة المتاحة على مواقع التواصل الاجتماعي في تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها، مما يحقق مشروعا متكاملا واستثمارا ذكيا للموارد التقنية في تدريس العربية للناطقين بغيرها عن بُعد، لا ينقصها إلا توثيق الروابط التشاركية في التنسيق بين المجامع العربية، والجمعيات والهيئات المختلفة، المهتمة بخدمة اللغة العربية للناطقين بغيرها من أجل تطوير مناهج وطرق التدريس والرفع من مستوى الأداء المؤسساتي التعليمي، مع الاستفادة من التجارب الناجحة، واستلهام الحلول السباقة من المآخذ على ما سبق من تجارب ونماذج متميزة. 
إن التعليم الرقمي «عن بُعد» هو مسبار أمل التعليم القادم، الذي يجب التطور فيه بالتزامن ومراعاة خصائص تدريس كل مجال، ذلك أن لتعليم اللغة العربية لغير لناطقين بها مشروعا قادما نحو صون العربية الأصيلة بأنامل رقمية حديثة بعيدة عن التعقيد، وتحميل هذا المساق ما لا يتلاءم ومميزاته، أو إثقال وصفه بالصعب والمعقد وهو مالا ينطبق وجسد اللغة العربية الساحرة، التي بنت ولا تزال تبني صروح العلم والأدب فهي لغة الحضارة، وحضارة اللغة. وكما قال عنها أديب العربية الأكبر مصطفى صادق الرافعي: «إن اللغة مظهر من مظاهر التاريخ. والتاريخ صفة الأمة، كيفما قلَّب أمر الله، من حيث اتصالها بتاريخ الأمة واتصال الأمة بها وجدتها الصفة الثابتة التي لا تزول إلا بزوال الجنسية وانسلاخ الأمة من تاريخها».