لكل أمةٍ مفاخرها، ولكل شعبٍ أمجاده، والأمم التي لا تجد فخرها ولا أمجادها إلا في ماضيها، هي أمة تحتضر ونجمها متجهٌ للأفول، والأمم الحية هي التي تستمر دائماً في سباق مع الزمن؛ لصنع أمجادٍ جديدةٍ ومفاخر لا تنتهي.
إطلاق الإمارات، الأسبوع الماضي، لمسبار الأمل الذي خططت وأعدت له منذ سنواتٍ، يأتي خطوةً جديدةً وكبيرةً في مسيرة اكتشاف الفضاء في تاريخ الإمارات التي بدأت بحلم زايد المؤسس، ومن ثمّ تابعها أبناؤه بجدٍ واجتهادٍ وتخطيطٍ وعملٍ دؤوب، حتى آتت أكلها تباعاً، من إطلاق الأقمار الصناعية إلى رائد الفضاء المميز هزاع المنصوري، وصولاً إلى إطلاق «مسبار الأمل» إلى الكوكب الأحمر.
هناك العديد من المواقف والتفاصيل التي تجعل الحدث مفخرةً عربيةً، لا إماراتية فحسب، ومن أبرزها العد التنازلي لإطلاق الصاروخ الذي كان بالأرقام العربية، وبصوتٍ عربيٍ مبين، وتابعه العالم حتى وصول المسبار إلى الفضاء، وبدء رحلته الموعودة التي ستستمر لعدة أشهرٍ، قبل أن تصل إلى هدفها النهائي في المريخ.
بالتخطيط والعلم والإرادة كلّ شيء ممكن، وربما كان مما يستحضر هنا، هو أن تعلن الصين عن انطلاق أول رحلة لها للكوكب الأحمر بعد الإمارات وليس قبلها، وهو تحديداً معنى قيمة التخطيط والإصرار على العلم وقوة الإرادة، فالصين هي إحدى دول العالم الأول، الأغنى والأقوى.
كدولةٍ فتيةٍ تشق بقوةٍ عباب المستقبل، لا يستطيع المتابع تعداد الإنجازات، أو متابعة الخطط المستقبلية لدولة الإمارات وقيادتها الطموحة، فكل المجالات تتحرك بالتوازي، من النجاح الكبير والوعي المتقدم في محاربة الأصولية والإرهاب في الموقف من جماعة «الإخوان» وجماعات الإسلام السياسي، إلى النجاح المتتابع في نشر التسامح والأخوة الإنسانية والنموذج الرائع للدولة في التعامل مع كل الديانات والأعراق والطوائف الموجودة على أرضها منذ عهد زايد إلى الحاضر المعيش، إلى التأسيس للمستقبل.
من جهة أخرى، أعلنت الإمارات قبل أيام نجاحاً مبهراً في مواجهة فيروس كورونا، وبالأرقام، ولم تكتف بالمواجهة التقليدية فحسب، بل دخلت في مجال الأبحاث والتجارب، وشاركت في اكتشافات مهمة أعلنت عنها قبل بضعة أشهرٍ، ومعركة كورونا هي معركة العالم كله، لا الإمارات فحسب.
المسألة هنا مسألة فكرٍ ووعيٍ وقيادة، وليست مسألة غنى مادي، وإلا فيمكن المقارنة بسهولة بين منجزات الإمارات لنفسها، وللبشرية، وبين دول مشابهة في الغنى، كل منجزاتها التخريب ودعم الإرهاب وخيانة الصديق وخدمة العدو.
ما لا يستحضره الكثيرون، أن المنجزات والنجاحات المتتابعة دائماً ما تعزز المشروعية السياسية للدول، وتوضح مدى حرصها على خدمة شعوبها وترقيتها ورفاهها، إنها لا تخلق المشروعية، ولكنها تعززها وترسخها، وتذهب بها إلى آفاقٍ أرحب وحضورٍ أقوى.
غايات الدول تحققها الاستراتيجيات العملية والرؤى الثاقبة والعمل الجاد، وهذا تحديداً شأن القيادات والمؤسسات في أي دولةٍ، وسيكون مثيراً متابعة رحلة «مسبار الأمل» في الأشهر القادمة، وصولاً لنقطة الوصول والاستحقاق والنجاح الكبرى، والبشرية محكومة بانتظار ما سيتوصل إليه المسبار من نتائج. 
هذه النجاحات المتتالية ليست ممكنة لو لم تتمتع الدولة بتعليم متميز وأمنٍ راسخٍ وتنميةٍ متواصلةٍ، وليست ممكنة والبلاد ترزح تحت نير الفقر والفساد والديون، وليست ممكنةً في بلدٍ منقسمٍ وبيتٍ غير متوحد، وليست ممكنةً في دولةٍ ضعيفةٍ بلا جيشٍ يحميها ويحمي استقرارها ومنجزاتها، ولذلك، فالأمر يأتي نتيجة بناء طويل وتنمية مستدامة واستقرار وأمن شاملين، ولا يأتي بالصدفة، أو الحظ.
أخيراً، ما أجمل ما كتبه المتنبي في بيته ذائع الصيت، حين قال:
وإذا كانت النفوس كباراً/ تعبت في مرادها الأجسام