زمان يعني قبل سنوات، كنا ننادي بتشجيع السياحة الداخلية -وما زلنا- لكن الجماعة في مختلف القطاعات، كانوا آذاناً صماء، وكانت عيونهم تتجه نحو السياحة القادمة من الخارج التي لها مزاياها من شركات الطيران، ومن الفنادق، والمطاعم وغيرها من المرافق، هذا توجه جميل لكنه ناقص، فالرهان كان يجب على السياحة الداخلية والخارجية، لأن عدم اهتمامنا بإنسان الداخل جعله يلتفت للخارج، لأن المقارنة بين ما يحصل عليه المواطن أو المقيم من أسعار مبالغ فيها، وما يقدم للسائح الأوروبي من خدمات شبه مجانية، جعل المسألة مختلة وغير متوازنة بين السياحة الداخلية والخارجية، يعني الألماني يسكن في فندق سبع نجوم بمائة دولار مع الإفطار، «وشوف ريوق الألماني يوم يكون ببلاش»، وتعال أنت القادم من العين وتريد أن تقضي عطلة نهاية الأسبوع في أبوظبي مع العائلة الكريمة في الفندق نفسه، سيصل سعر الغرفة أربعة أضعاف مع الرأفة، وستدفع أقلها 1800 درهم لليلة، «وَيَا ليت تييب ريوقك معاك في مقفلة»، لذا فضلت العائلات أن تشجع السياحة الخارجية مثل الجماعة، وعفّت عن السياحة الداخلية، لأنها أغلى وبلا خدمات، والفنادق كانت تروع المواطنين والمقيمين الذين يرغبون في سياحة في الوطن، فتوجهت إلى ماليزيا أو تايلاند مثلاً، لأنها ستقضي هناك أربعة أيام أو حتى أسبوعاً مع التذاكر بسعر الغرف الأربع هنا في عطلة نهاية الأسبوع، السياحة الداخلية أو السياحة داخل الوطن، هي رسالة وتوجه وحرص ومنفعة مجتمعية، لأنها تخدم على المدى الطويل الحس الوطني والانتماء والمعرفة، خاصة للجيل الصغير والناشئ، لا نريد أولادنا يعرفون عن لندن أكثر مما يعرفونه عن رأس الخيمة، هذه الأهداف الوطنية والخدمة المجتمعية قد لا يدركها المحاسب و«بي. آر، واتش. آر»، والمراكز والمجلات التي تمنح جوائز «الريادة»، وقد لا يدركها ذلك الموظف الشاب الذي يعمل في قطاع السياحة، وهو يخاطب فوجاً سياحياً أن «قلعة الياهلي» هذه قديمة جداً، منذ عام 1965، طبعاً إذا هو مولود عام 1995، فبالتأكيد قلعة الياهلي قديمة منذ 1965، أو مثل ذلك الموظف الآخر الذي كان يفاخر أن السياحة عندنا تعتمد على السياح الأوروبيين، وتوجهنا القادم السياح الأمريكيون، لذا صرفنا دعاية وإعلاناً في الشبكات التلفزيونية الأميركية بقرابة 5 ملايين دولار، من أجل هذا الهدف، لا أدري في كل دول العالم هناك تسعيرة للمواطن تختلف عن الأجنبي، وأسعار خاصة للمتقاعدين والمحاربين وأصحاب الهمم وغيرهم من فئات المجتمع مثل نقابة العمال أو جمعية الصحفيين وغيرهم، إلا هنا، وكأن العملة الأجنبية تنقصنا، وكأن اعتمادنا على السائح الأميركي الذي يؤمن به ذاك الموظف الذي يبدو أنه يحب الإنجليزية أكثر من العربية، هو المربح الحقيقي، المربح الحقيقي بالعربية أن تأتي عائلة من الفجيرة وتتعرف على «صير بني ياس» دون أن ترهقها بتلك المصاريف المبالغ فيها، أن يعرف مواطن من دبي ما هي التي بين قوسين (البدية) و(قدفع) و(ضدنا) و(أرض الصير) و(مقبرة أمير الجيوش)؟ وسلمتم..