تحرص دولة الإمارات العربية المتحدة، على أن تكون في حالة من الحركة الدائمة، انطلاقاً من إدراكها أن السباق نحو الصدارة لا يعرف التوقف، وأنه مهما كانت درجة التقدم التي وصلت إليها، فإن ذلك يجب أن يكون حافزاً على المزيد، وفيما لا تزال أصداء نجاح «مسبار الأمل» تتردَّد بقوة في المنطقة والعالم، وتضيف الكثير إلى الصورة الإيجابية للدولة وللعرب والمسلمين جميعاً، تعلن الدولة جهوداً أخرى في مشروع ينتمي إلى مجال الفضاء، لكنه هذه المرة يتخذ بعداً جديداً يشمل العالم العربي، ويوفر فرصة لتحقيق إنجاز عربي مشترك في حقل العلم والمعرفة.

لقد أعلن المهندس محمد ناصر الأحبابي، المدير العام لوكالة الفضاء الإماراتية، أن المركز الوطني للعلوم وتكنولوجيا الفضاء في جامعة الإمارات العربية المتحدة، يعمل الآن من أجل اختيار فريق من المهندسين والعلماء العرب، الذين سيعملون معاً على تنفيذ مشروع القمر الصناعي «813»، وهو أول مشروع عربي فضائي مشترك، ليكون جاهزاً للانطلاق إلى الفضاء بتوقيع عربي مشترك عام 2024، وليس غريباً أن تكون فكرة المشروع قد انطلقت من دولة الإمارات، وأن تحمل توقيع صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي «رعاه الله»، الذي أعلن المشروع في مارس 2019 - خلال «مؤتمر الفضاء العالمي» الذي عُقِد بمدينة أبوظبي آنذاك- بوصفه هدية لـ«المجموعة العربية للتعاون الفضائي»، بمناسبة توقيع ميثاق تأسيسها.
وقد اختار صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد رقم 813، ليحمل رسالة ثرية بالدلالات إلى العالم العربي، حيث يشير الرقم إلى عام 813 الميلادي، وهو العام الذي شهد انطلاق «بيت الحكمة» إلى ذروة تألُّقه، مع تولي المأمون بن الرشيد الخلافة العباسية، حيث أدى «بيت الحكمة» دوراً مشهوداً في نقل خلاصة العلم والفكر الإنسانيين عن لغات العالم المختلفة إلى اللغة العربية، والرسالة التي ينطوي عليها الاختيار هي تذكير العالم العربي بالفترات التي كان يملك فيها زمام التقدم العلمي، ويقود الابتكارات والاختراعات في الفيزياء والرياضيات والكيمياء والطب والفلك، انطلاقاً من هضم التراث العلمي للأمم السابقة، واستخدامه ركيزةً لتحقيق نهضة علمية فكرية شاملة.
وتضطلع دولة الإمارات ومؤسسات تابعة لها بدور ريادي في مشروع القمر الصناعي العربي، إذ يقود العمل فيه «المركز الوطني لعلوم وتكنولوجيا الفضاء» في جامعة الإمارات العربية المتحدة، بالاشتراك مع «مركز محمد بن راشد للفضاء» والدول العربية التابعة لـ«المجموعة العربية للتعاون الفضائي»، وتمول وكالة الفضاء الإماراتية المشروع، وتشرف عليه، وسوف يُبنى القمر الصناعي داخل دولة الإمارات، بحكم امتلاكها خبرات متقدمة وبنية علمية ومؤسسية قوية، وتوافُر المختبرات والمراكز العلمية فيها، على أن تُنفذ المشروع كوادر بشرية من مختلف الدول العربية، يتم في الوقت نفسه تطوير قدراتها في مجالات التصميم والتصنيع والتجميع والاختبار، ثم في مجالي التشغيل وتحليل البيانات.
وحدَّد المشروع أهدافاً علمية يسعى إلى تحقيقها، منها الاستكشاف الجيولوجي، والكشف عن المعادن النادرة والأساسية، ورصد ومراقبة مواقع التعدين والحفر الحالية والمستقبلية لاحتياطيات الغاز الطبيعي والنفط، ورصد وأرشفة الظواهر والموارد الطبيعية وديناميكيات الغطاء الأرضي، ورصد تآكل الأرض وتلوث التربة وتغيرات المناخ، وتحديد نوعية المياه الجوفية وخرائط انتشارها، وتنطوي هذه الأهداف على فوائد اقتصادية وعلمية مهمة، لكنَّ المعاني الحضارية التي تعكسها هذه المبادرة لا تقل أهمية، إذ ترسم الطريق الأمثل لبناء ركائز للتعاون العربي الحقيقي في مجالات تتصل بالمستقبل، وتعيد جدولة الاهتمامات والأولويات العربية، لتضع التقدم العلمي في مكانه، الذي يتناسب مع أهميته، ولتؤكد أن الموارد البشرية في الدول العربية تملك من الكفاءة والاقتدار، ما يمكنها من تحقيق إنجازات عملاقة، إذا وجدت من يمهّد لها السبل لذلك.

عن نشرة "اخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية