أثار دخول دولة الإمارات عصر الفضاء، باعتبارها دولة لديها اقتصاد ناشئ، الاهتمام، فهذا المجال كان مقتصراً على الدول الكبرى، خصوصاً أنه يتطلب طاقات مالية وبشرية وتقنية هائلة ومتقدمة، المؤمنون بالنجاح فرحوا لهذه الخطوة الجريئة، في حين حاولت بعض البلدان والقوى الفاشلة والعاجزة تشويه المشروع بشتى الوسائل.
أهمية «مسبار الأمل» وآفاقه المستقبلية تحمل في طياتها جوانب عديدة، إلا أننا سنكتفي بتحليل بعض الجوانب الاقتصادية والتقنية لهذا التوجه، على اعتبار أننا تابعنا سيره منذ البداية قبل عدة سنوات، وذلك بحكم وجود مركز «محمد بن راشد للفضاء» على بعد أمتار قليلة من منزل العائلة في دبي، حيث أقيم المركز في أبريل من عام 2015 بإدماج مؤسسة «اياست» والتي تأسست قبله بعقد من الزمن في عام 2006.
بداية المشروع الذي نما أمام أعيننا كانت طموحة، وتطور في غضون بضع سنوات بسرعة كبيرة، ليضم مئات المهندسين والفنيين المؤهلين، لنرى كيف تمت متابعة رائد الفضاء هزاع المنصوري، والتحضير لإطلاق «مسبار الأمل»، بمشاركة من هذا المركز المتقدم.
من الناحية الاقتصادية، لا يمكن تنمية أي من القطاعات، دون وجود بنية تحتية متطورة لهذا القطاع، هذا الاستنتاج أثبتته التجربة الخليجية، ففي بداية تدفق الثروة النفطية لم تكن في هذه الدول صناعات تذكر، وإنما حرف يدوية بدائية؛ إذ رغم وجود الأموال اللازمة للتنمية، فإن غياب البنية التحتية استلزم الاستثمار فيها بصورة مكثفة لتهيئتها للبناء الاقتصادي، وهو ما أدى إلى إقامة محطات الكهرباء، وتحلية المياه، والطرق والموانئ والمطارات، والتي أتاحت تنمية القطاعات الاقتصادية فيما بعد، بما فيها الصناعية والتي اقتصرت على الصناعات الصغيرة والمتوسطة بدايةً، لتمتد إلى الصناعات الحديثة والمتقدمة تكنولوجياً.
إذن، البداية الصحيحة للتنمية تنطلق من تحضير البنية التحتية لها. وبما أن الاقتصاد الدولي يشهد تحولات كبرى، باتجاه الاقتصاد المعرفي والذكاء الاصطناعي، بدأت الإمارات في وضع اللبنات الأولى لهذا التوجه، والذي من دونه لا يمكن الحديث عن اقتصادات حديثة وتنافسية في السنوات القادمة.
ربما يسأل البعض سؤالاً منطقياً، ولكن ما علاقة ذلك بـ«مسبار المريخ»؟ الجواب ببساطة أن التقنية لا تتجزأ، فعالِم الفيزياء والرياضيات يمكن أن يبدع في صناعة الذكاء الاصطناعي بشكل عام، وفي تحلية المياه الأساسية لدول المنطقة، كما أن عالِم الكيمياء يمكن أن يساهم بإبداعاته في تنمية الصناعات البتروكيماوية وصناعة الأدوية واللقاحات، وإذا عرفنا أن معظم المهندسين والاختصاصيين في المركز من الإماراتيين، فإن ذلك يعني إعداد مؤهلات وطاقات بشرية مؤهلة للعمل بتقنيات متطورة، وهو ما يعد أهم إنجاز لهذا المركز، وسيؤدي إلى تقليص «الفجوة المعرفية» مع البلدان المتقدمة. صحيح أن البلدان والقوى الفاشلة أشارت إلى أن هناك مؤسسات وعلماء أجانب ساهموا في التحضير لعملية الإطلاق، إلا أن ذلك يشكل عامل قوة للمشروع، وليس ضعفاً له، فالبداية الصحيحة تكمن في البدء من آخر ما توصل إليه الآخرون والاستفادة من تجاربهم وخبراتهم للحاق بهم، وليس البدء من الصفر!
لذلك لن تمضي سنوات طويلة لنرى حجم القوى المحلية المؤهلة لقيادة اقتصاد المعرفة بتقنيات متقدمة، فنظام تأسيس المركز يشير بوضوح إلى أنه «يساهم في دعم قطاعات تخطيطية واقتصادية مختلفة داخل الإمارات وحول العالم من خلال استخدام الصور الفضائية والبيانات التي تتيحها الأقمار الصناعية الإماراتية والتطبيقات التقنية المتعلقة بعلوم الفضاء»؛ إذ من المعروف الآن أن الكثير من الثروات والمعادن الطبيعية يتم اكتشافها من الفضاء.
ويشير نظام المركز أيضاً إلى أنه «يتطلع لقيادة المنطقة العربية لعصر جديد من الاكتشافات العلمية، وتأسيس بنية تحتية متكاملة لتصنيع الأقمار الصناعية والاستفادة من تطبيقاتها المتنوعة»، ما يعني أن هناك تحولاً مهماً يتم الإعداد له لتحويل المنطقة إلى مساهم في تطوير اقتصادات التقنيات الحديثة، وليس مستهلكاً لها فقط، كما كان الحال في السابق، وهو إنجاز بكل المقاييس للاستثمار في المستقبل، والذي يعد أفضل أنواع الاستثمار. 
*خبير ومستشار اقتصادي