يوليو شهر مبارك للسفر إلى المريخ، فيه يصبح كوكبا الأرض والمريخ أقرب ما يكونان بعضهما لبعض. ومباركة أسماء المركبات الفضائية التي تنطلق هذا الشهر إلى المريخ، وأولها مسبار «الأمل» الإماراتي، والثانية «المثابرة» تطلقها مؤسسة الفضاء الأميركية «ناسا»، والثالثة «تساؤلات سماوية» تطلقها الصين. وتتميز هذه المركبات عن كل ما أرسل إلى المريخ، منذ أولها عام 1971، بأنها لا تبحث عن الماء فيه، أو عما إذا كانت في الكوكب ظروف مناسبة للحياة، وهذه مسائل أضحت معروفة، بل عن أي أثر لكائنات حية في الكوكب، الذي يُعتقدُ أنه كان مأهولاً قبل مليارات السنين، وأودت به كارثة فضائية قضت على جوّ الكوكب، وجعلته صحراء مكشوفة. ومعرفة لماذا، وكيف حدث ذلك، من أهم أسباب السفر إلى المريخ. 
وبدأت ملحمة «مسبار الأمل» على الأرض، حيث المخاطر تفوق كل ما يمكن أن يواجهه وهو في طريقه نحو المريخ، والذي سيصله بالتزامن مع مرور نصف قرن على تأسيس دولة الإمارات العربية المتحدة. والفضل للإماراتيين الذين تدّبروا التعامل مع مخاطر وباء «كوفيد-19» الذي عطّل المركبة الفضائية الأوروبية الروسية، وأجّل رحلتها إلى عام 2022. وتَعرّض «مسبار الأمل» لخطر أكبر خلال نقله من موقع تصنيعه في جامعة كولورادو في الولايات المتحدة إلى دبي، حيث خضع للفحص، ومنها إلى قاعدة الإطلاق في جزيرة «تانيغاشيما» في اليابان. وتدّبر الإماراتيون اتخاذ خطوات حاسمة في الوقت المناسب. 
«لنحافظ على قليل من التفاؤل هنا»، يقول بطل فيلم «حرب النجوم»، وبالتفاؤل سينفك «مسبار الأمل» عن الصاروخ حال وصوله المريخ، وسيهتدي بالأبراج السماوية للعثور على مداره حول الكوكب، لاستكشاف أسباب تغير جو المريخ، كما تدل آثار بحيرات عمرها ملايين السنين. ومن هنا ينبع السؤال الرئيسي الذي يبحث عن جوابه «مسبار الأمل» الإماراتي و«المثابرة» الأميركي و«تساؤلات سماوية» الصيني.
ويثير إعجابَ العالم شبابُ الإمارات العاملون في الفضاء، ومعظمهم في أعمار أقل من الثلاثين، و30 في المئة منهم نساء، بينهن سارة الأميري رئيسة الفريق. واسم المريخ بالعربية مشتق من كلمة «أمرخ»؛ أي مُبقّع بالحمرة، وهو يُدعى عالمياً بالكوكب الأحمر، لأن لونه أحمر، بسبب كثرة أوكسيدات الحديد على سطحه. وهو أكثر الكواكب إثارة للاهتمام والخيال، وكموضوع لمسلسلات وأفلام سينمائية عدة، وهدف بناء مركبات دولية على الأرض لتجارب السفر الطويل إليه، بينها «المريخ 500» الذي تعاونت في إقامته وكالة الفضاء الأوروبية وروسيا والصين، وتطوّع كثيرون للعيش فيه، حيث خضعوا لتجارب العيش في عزلة لسنوات، ما بين عامي 2007 و2011. ولم تحدث أي مشاكل أو سوء تفاهم بين أعضاء الفريق، المنتمين لقوميات مختلفة ويتحدثون لغات متباينة. 
وتقتضي الإقامة في المريخ ارتداء الرواد بدلة أخف من بدلة المقيمين في «محطة الفضاء الدولية»، البالغ وزنها 200 كيلوغرام، ولا تُسهّل تجول الرواد على سطح الكوكب، مسافة 100 كيلومتر عن موقع الهبوط. وتتوفر حالياً مهارات وتكنولوجيات قادرة على إيصال فريق رواد إلى المريخ والعودة به إلى الأرض، تضاهي قدرات «ناسا» غداة السفر إلى القمر. ويتوقع وصول رواد فضاء إلى المريخ في غضون العقد المقبل 2030، وتستغرق أي رحلة سنتين ونصفاً، منها ستة شهور في الطريق إليه، ومثلها في العودة منه. وتُشجعُ على تطوّع كثيرين للانضمام لبعثة المريخ تجارب ناجحة لإقامة 30 شخصاً فترة سنة في ظروف انعدام الوزن في «محطة الفضاء الدولية». 

*مستشار في العلوم والتكنولوجيا