في مقال سابق حمل عنوان: «للفكر ولاء وبراء»، تعرضت لخطورة الفكر المؤدلج على عقل المفكر، حيث إنه يمثل ركيزة أساسية في توجهاته العقلية وانتماءاته الوطنية، وبالذات عندما يكون الفكر عابراً للقارات، ومن يدرس التاريخ يجد أن جل الخيانات التي ابتليت بها الأمم، كان منبعها فكراً مستورداً تشربته عقول الناس، حتى طارت بهم رياح التغيير، فهل للوطن فكر؟ إن قوة الأمم والدول تتمحور حول نجاحها في بناء فكر عام، يقتنع به العباد في البلاد، وهذا ما نصطلح على تسمتيه بتحقق الأمن الفكري، لأن عدم تحقق ذلك تكون نتائجه هدم للأوطان، فكيف يليق بمفكر وطني أن يستقي فكره من منبع خارجي يمثل له مركز الولاء والبراء؟! وكيف تأمن الأوطان إنساناً يدفع فضول ماله لأعداء الوطن؟! ولا تستقر الدول بعقول تحركها أموال خارجية بمسميات أكاديمية، وهذا ما نراه اليوم في دول انزلقت في حروب أهلية، لأن كل حزب تغذيه دولة أجنبية تريد تحقيق أهدافها، عبر رفع شعارات براقة ظاهرها الرحمة ومن ورائها خراب الدار. 
أرجو أن لا يفهم من مقالي أني ضد حرية التفكير أو التعبير، أو أنني أمارس حجباً لعقائد الناس وتوجهاتهم المتعددة في حياتهم، لقد خلق الله تعالى الناس مختلفين في أجسادهم وعقولهم ونفسياتهم لحكمة اقتضاها عدله سبحانه، وهذا ما يسمى اختلاف تكامل لا اختلاف تضاد، بمعنى أن المصلحة تقتضي وجود اختلافات بين عقول الناس وتوجهاتهم، بشرط ألا تؤدي تلك الاختلافات إلى خلافات تنحر في اللحمة الوطنية، قد يبدو الكلام فيه شيء من التناقض، هل بالإمكان فعلاً وجود مدارس فكرية مختلفة تكون رافداً لقوة المجتمع؟ من يبحث اليوم في قوة بعض الأمم، يجد أن من أسرارها وجود مثل تلك التباينات. 
ولن ترث أمة الأرض بفكر ديكتاتوري، يقول للناس لا أريكم إلا ما أرى، فما أجمل تباين العقول في مجتمع يكمل بعضه الآخر!، دعوني أسوق لكم مثلاً، إن اختلاف المذاهب الإسلامية شكل رافداً قوياً للفقه الإسلامي عبر العصور، بشرط عدم التعصب المذهبي، الذي يجعل الإنسان رافضاً للرأي الآخر المبني على الكتاب والسنة.
النجاح في استقطاب الآراء المختلفة حول قضية ما يقوي الطرح حول تلك المسألة، ويجعل الدول تتبنى أفضل الأفكار والآراء المدرجة، وهذا من مفاتيح الإبداع العقلي، أو ما يسمى بالتدافع الفكري، فكل رأي ينضج عندما يقدحه رأي معارض له، فمن أسرار نجاح بعض الشركات أن مجلس إدارتها يتكون من طيف متناقض من العقول، بشرط اجتماعهم على مصلحة الشركة، كذلك الدول الناس فيها شركاء، يقودهم أخيارهم الذين يرحبون بمختلف الآراء، بشرط ألا تكون منطلقاتها عابرة للقارات، محققة أهداف الخارج في الداخل، وتحقق الدول ذلك بتشريع القوانين التي تحد من الاختراقات الخارجية للُحمة الوطنية، وتتيح تلك القوانين للمواطنين حرية التعبير في سياق ثوابت الوطن، هكذا يكون وطنك مصدر فكرك وإلهامك.
*أكاديمي إماراتي