لم يكن مستغرباً أن يدعو وزير الخارجية الأميركي «مايك بومبيو» في مؤتمر صحفي، جَمعه قبل يومين بوزير الخارجية البريطاني «دومينيك راب» في لندن، إلى بناء تحالف عالمي لمواجهة الصين، فكل القراءات السياسية كانت تشير إلى أن أميركا تعمل، منذ فترة طويلة، على بناء نموذج سياسي واقتصادي يكون قادراً على احتواء الصين، بهدف الحد من تمددها المتصاعد خارج حدودها، منذ بدء الألفية الجديدة.
كانت أميركا طوال السنوات القليلة الماضية تسعى وحيدة إلى قص أظافر الصينيين الشيوعيين، لكنها على ما يبدو اكتشفت متأخرة أن عليها أن تلجأ لدول أخرى لمساعدتها في القضاء على تهديد «الحزب الشيوعي» الحاكم في بكين! وكلمتا «الشيوعيين» و«الشيوعي»، بالمناسبة، ليست إضافة من عندي، وإنما صارت جزءاً ثابتاً في الفترة الأخيرة من تصريحات المسؤولين الأميركيين ومن بينهم السيد بومبيو!
يريد الأميركيون، من خلال استدعاء «شبح الشيوعية» أن يُعيدوا ترتيب مخاوف دول العالم. يريدون أن يثيروا الرعب في نفوس الزعماء العالميين من «فكرة» سيطرة الشيوعيين على قراراتهم وخياراتهم. ويستدعي الأميركيون «شبح الشيوعية» في خطاباتهم السياسية الموجهة إلى الخارج، مؤخراً، بهدف تحويل «مكارثيتهم» المحلية، التي كانت قائمة منذ عقود، إلى «مكارثية عالمية جديدة» تساعدهم في بناء تحالف دولي، يجعلهم قادرين على قيادة العالم من جديد، في مواجهة جديدة مع خصم جديد، كما كانوا يفعلون طوال عقود خلال سنوات الحرب الباردة مع المعسكر السوفييتي.
بناء التحالفات أمر جيد سيد «بومبيو»، لكن دعني أسألك سؤالاً صغيراً: هل هو تحالف مع الحزب «الجمهوري»، أم تحالف مع الحزب «الديموقراطي»؟ أين أميركا العميقة التي كنا نعرفها منذ سنوات من هذا التحالف؟ ودعني، إذا سمحت لي، أن أسألك سؤالاً أكثر أهمية: هل يعرّف «الأميركيون الجدد» كلمة «التحالف» وكلمة «الحليف» بنفس المعنى السابق الذي كان يستخدمه أميركيو ثمانينيات وسبعينيات القرن المنصرم؟ 
دعني أتحدث نيابة عن العالم سيد «بومبيو»، أو على الأقل نيابة عن حلفائكم السابقين، وأقول: الأمور في أميركا صارت تُدار بطريقة لا تختلف كثيراً عن الكيفية التي يُدار بها الحكم في الجمهوريات الديكتاتورية. يستلم الحزب «الجمهوري» الحكم، فينقلب على كل السياسات الداخلية والخارجية للحزب «الديموقراطي». ويستلم الحزب «الديموقراطي» الحكم، فينقلب على كل التحالفات التي شكلها الحزب «الجمهوري». كل دورة حكم جديدة، تبدأ تقريباً من الصفر. تفعلون في أميركا العظيمة، كما يفعل ديكتاتور استلم الحكم للتو بعد انقلاب دموي في جمهورية موز.
الق نظرة صغيرة سيد بومبيو، على المواقف المتباينة لحزبيكم الرئيسيين من القضايا الدولية العالقة. ما هو الموقف من روسيا؟ ما هو الموقف من إيران؟ ما هو الموقف من الصين؟ ما هو الموقف من الصراع في سوريا؟ ما هو الموقف من الصراع في ليبيا؟ كيف ينظر الأوروبيون لرئيسكم الحالي؟
بناء التحالفات سيد بومبيو، أمر يحتاج لسياسة خارجية ثابتة، فهل تتوافر هذه الميزة حالياً في «أميركا الإحدى عشر سبتمبرية»؟ 

*كاتب سعودي