كان لدى دولة الإمارات العربية المتحدة الكثير مما تُقدِّمه للإنسانية منذ لحظة قيامها، على الرغم من شح الموارد الاقتصادية آنذاك، وتحديات بناء الدولة بكل مؤسساتها وهياكلها. فهناك أولاً فكرة الاتحاد في حد ذاتها، بما انطوت عليه من إنهاء لاحتمالات الخلاف والفرقة، وإقامة دولة مزدهرة ومتماسكة وناجحة تحقق لشعبها الرخاء والتنمية خلال سنوات قليلة. كذلك يمكن الوقوف عند إنجازات، مثل تقديم المساعدات الإنسانية وإغاثة المحتاجين في كل مكان من العالم، والنجاح في تحقيق نموذج عالمي غير مسبوق من الانسجام والتعايش والتعاون والاحترام بين كل أديان العالم وأعراقه وجنسياته على أرضها، وقيادة جهود إقليمية وعالمية لإرساء قيم التسامح والتقارب، وقبول التعددية لاحتواء الأخطار الكونية المترتبة على انتشار الكراهية والتعصب عبر العالم.
ويأتي إطلاق «مسبار الأمل» ليكون إنجازاً جديداً تقدِّمه دولة الإمارات إلى الإنسانية، يكتسب أهميته من انتمائه إلى مجال العلوم المتقدِّمة، واقتحامه أكثر حقول المعرفة دقة وتخصصاً واحتياجاً إلى امتلاك قدرات خاصة وتأهيل مكثف طويل المدى. والفائدة العلمية المترتبة على رحلة «مسبار الأمل» ستكون لبنة جديدة في بناء المعرفة الإنسانية التراكمية، تتخذ مكانها مرتكزة على ما سبق من نظريات وابتكارات وأبحاث قدمها علماء من مختلف دول العالم، ليأتي آخرون ويضيفوا إليها لبنات أخرى.
إن النتائج التي سيتوصل إليها «مسبار الأمل» خلال مهمته ستكون ملكاً للإنسانية، وسوف تجيب عن «أسئلة لم تتطرق إليها أي من مهمات الفضاء السابقة»، لتظل على مدى التاريخ مُسجَّلة باسم دولة الإمارات. ومن بين أهداف المشروع، وفقاً لما نُشر عنها: دراسة أسباب تلاشي الطبقة العليا للغلاف الجوي للمريخ عبر تتبع سلوكيات ومسار خروج ذرات الهيدروجين والأكسجين التي تُشكل الوحدات الأساسية لتشكيل جزيئات الماء، وتقصّي العلاقة بين طبقات الغلاف الجوي الدنيا والعليا على المريخ، وتقديم الصورة الأولى من نوعها عالمياً حول كيفية تغير جو المريخ على مدار اليوم وبين فصول السنة، ومراقبة الظواهر الجوية على سطح المريخ، مثل العواصف الغبارية وتغيرات درجات الحرارة، فضلاً عن تنوّع أنماط المناخ تبعاً لتضاريسه المتنوعة، والكشف عن الأسباب الكامنة وراء تآكل سطح المريخ.
والإجابة عن مثل هذه الأسئلة تُترجم في صورة تطبيقات مفيدة للإنسانية، وفي ابتكارات واختراعات تجعل الحياة أيسر، ذلك أن كل ما تستفيد منه الإنسانية اليوم في مجالات مثل الطب والهندسة والذكاء الاصطناعي وتقنيات الاتصال ووسائل النقل والزراعة والصناعة والغذاء وغيرها، إنما يرتكز في أساسه على جهود تبدأ في مختبرات العلم، لتتحول في نهاية الأمر إلى أدوات تجعل حياة الإنسان أيسر وأفضل، وتعينه على مواجهة مشكلات تهدد حياته وأمنه ووجوده على الأرض. وبذلك فإن دولة الإمارات تقدِّم إنجازاً تعود فوائده على الإنسانية كلها، في تطلعها إلى صياغة مستقبل أفضل اعتماداً على العلم، وهو ما يكمل إنجازات الدولة ذات الطابع القيمي والأخلاقي التي دأبت على تقديمها للإنسانية.
وأخيراً، فإن من بين المعاني المهمة التي تعكسها ملحمة إطلاق «مسبار الأمل» أن دخول حقل التقدم العلمي الذي ظل حكراً على مجموعة قليلة من دول العالم، ليس أمراً مستحيلاً إذا وظفت أي دولة قدراتها بالشكل الصحيح، ووجهت مواردها الطبيعية وثروتها البشرية إلى حيث يجب أن تتوجه. وأكدت دولة الإمارات أن البقاء في موقع المستهلك لإنجازات التقدم العلمي المتسارع ليس قدراً محتوماً يجب أن تخضع له الدول العربية والإسلامية تحت ذرائع ومبررات واهية. كذلك اختارت الدولة أن تقتحم مجال العلم من أعلى ذروة وصل إليها، مُسلَّحة بإرادة ماضية، وطموح لا يعرف الكلل، وشباب مخلص استثمر فيهم وطنهم، وغرست فيهم قيادتُهم الملهمة ثقةً لا حدود لها بقدرتهم على إدراك المستحيل.

* عن نشرة «أخبار الساعة» الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.