تم بحمد الله وتوفيقه، يوم 20 يوليو الجاري، إقلاع «مسبار الأمل» لاستكشاف المريخ من قاعدة تانيغاشيما الفضائية باليابان، وكان يوماً فارقاً ومميزاً في مسيرة دولة الإمارات، حيث استمع العالم، لأول مرّة في التاريخ، إلى العدّ التنازلي لعملية إطلاق أول مهمة عربية وإسلامية لاستكشاف المريخ باللغة العربية، وهي المهمة التي ستصل، بعون الله، إلى المريخ في فبراير 2021، بالتزامن مع ذكرى مرور خمسين سنة على قيام دولة الإمارات العربية المتحدة، وبذلك تحققت أحلام وطموحات المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه.
ونسجل هنا، بثقة وفخر، أنه مما يميز مشروعات دولة الإمارات، ويجعلها ذات قيمة ومصداقية عاليتين، كون الإمارات تفعل ما تقوله، وفي الزمن المحدد والصحيح. فكل الخطط التي تم الإعلان عنها منذ عشرات السنين، طُبّقت حرفياً وظهرت نتائجها على أرض الواقع وفي جميع القطاعات، ومن خلالها أصبح اقتصاد دولة الإمارات نموذجاً بارزاً لتطبيق أفضل المفاهيم والممارسات الجديدة لتكنولوجيا المستقبل المتقدمة، ومنصةً عالمية للابتكار وريادة الأعمال.
وفي هذا السياق، جاء «مسبار الأمل» الذي تم تصميمه وصناعته بأيادٍ إماراتية قال عنها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم: «هذه الكفاءات من الشباب والشابات، المهندسين والمهندسات، الذين تعلَّموا ووصلوا إلى هذه المراحل، هم الهدف من هذا المشروع كله». وقال صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان: «بجهودك أخي صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد وهمَّتك نرى اليوم هذه الكفاءات التي تشرِّفنا وتشرِّف أهلها وبلادها وعالمها العربي».
وقد نضجت خبرات مهندسي «مركز محمد بن راشد للفضاء» بعد قضاء 10 أعوام في كوريا الجنوبية للعمل على تصميم وتصنيع القمرين الاصطناعيين «دبي سات 1» و«دبي سات 2»، اللذين أُطلقا في عامي 2009 و2013. وبعد إكمال برنامج نقل المعرفة، بدأ المركز بإطلاق المشروعات الفضائية المتميزة من على أرض دولة الإمارات، وبدأ العمل على تصميم وتطوير القمر الاصطناعي الأكثر تطوراً «خليفه سات».
ولكوكب المريخ أهمية خاصة، كونه يمثل منجماً علمياً حقيقياً، وقد ازدادت جاذبيته مطلع الألفية الراهنة. وتعد الإمارات واحدة من تسع دول في العالم تسعى لاستكشاف ودراسة المريخ، وهي الأولى عربياً وإسلامياً، فدخولها إلى نادي الفضاء بإطلاقها «مسبار الأمل» إلى المريخ، يرتب استحقاقات علمية وتكنولوجية فضائية متقدمة، ستجعلها تشق طريقها بسرعة بين عمالقة متقدمين في مجالات تقنية الفضاء وعلومه، مثل الولايات المتحدة والصين واليابان وروسيا وكوريا الجنوبية ودول أوروبية قليلة، مما يتطلب جهوداً دؤوبة للحاق بعمالقة الفضاء والتزود بمزيد من الخبرات والمهارات المتخصصة.
ومع تدشينها منصات الرقمنة، أو ما يسمى «البلوك تشين»، على «الكوكب الأزرق» (الأرض)، سيصبح الفضاء شغلاً رئيسياً للإمارات خلال الفترة المقبلة، لمواكبة التطور الذي تشهده الدولة في المجالات الإلكترونية والرقمية، وتعميمه في كافة المؤسسات الحكومية والهيئات الاقتصادية، وغيرها.
وأحد الأهداف العلمية الرئيسية المرجو تحقيقها من هذه المهمة العلمية الفريدة (مسبار الأمل)، توفير صورة كاملة ومتكاملة للغلاف الجوي لكوكبنا، وهذا بحد ذاته هدف مطلوب بإلحاح من قبل مجتمع الخبراء والمتخصصين في دراسات المناخ، من خلال دراسة المسبار لمناخ المريخ بشكل يومي وعبر الفصول المناخية المتعاقبة.. وذلك ما يجعل مسبار الأمل، عن حق، أول «قمر اصطناعي لدراسة مناخ المريخ»، كما أوضح الدكتور أكمل عبدالحكيم في مقاله هنا يوم الاثنين الماضي. فهل سيراجع الدكتور جون غراي ما أورده في كتابه «الرجال من المريخ والنساء من الزهرة» بعد سماعه البيانات والمعلومات التي سيرسلها مسبار الأمل الإماراتي؟

*سفير سابق