بات الموقف العربي المناهض للإرهاب والبلطجة التركية شديد الوضوح منذ تطورات الشهر الماضي، التي شهدت «إعلان القاهرة» لتسوية الصراع في ليبيا، ثم تصريحات الرئيس عبدالفتاح السيسي، التي أكد فيها ارتباط الأمن الليبي بالأمن المصري خاصة، والعربي عامة، على النحو الذي دفعه للحديث بحسم عن «خط أحمر» لا ينبغي لميليشيات الإرهاب المدعومة من تركيا أن تتجاوزه، مع رسالة واضحة مفادها أن تجاوز هذا الخط قد يفضي إلى تدخل مصري مباشر. ولقي هذا الموقف دعماً مطلقاً من الدول العربية المشاركة في التصدي للإرهاب والبلطجة التركية. ولأن أوهام استعادة الأمجاد العثمانية لا تفارق أردوغان، وتؤثر على رشادة تفكيره، فإن تصريحات رجاله ازدادت صفاقة؛ فتحدث وزير خارجيته عن استحالة وقف إطلاق النار إلا إذا أخلى الجيش الوطني الليبي مدينة سرت وقاعدة الجفرة؛ أي أنه يطالبه بالتسليم بالهزيمة قبل وقف إطلاق النار، وكأن كل التضحيات التي قدّمها لم تقنع الوزير التركي بأن هذا الجيش يعبر عن إرادة شعبية ليبية، وقرار عربي حاسم بعدم السماح للإرهاب والبلطجة المساندة له بمزيد من العبث بالأمن العربي، ناهيك بالصفة التي تعطي وزير أردوغان الحق في رسم الخريطة العسكرية والسياسية الليبية. وقد تكون لهذه التصريحات صلة بما يُشاع عن تفاهمات دولية لا تعنينا على تحييد سرت، وهو ما يشير إلى معضلة التدخلات الدولية في الشأن الليبي، لأن غرضها هو السباق على مناطق النفوذ، كمدخل لمكاسب استراتيجية واقتصادية، بينما تسعى المواقف العربية إلى الحفاظ على الأمن العربي ضد تغول الإرهاب وأحلام السيطرة العثمانية.
وفي مواجهة هذا العبث، ازداد الموقف العربي صلابة وحسماً، فالتقى الرئيس المصري بوفد يمثل قطاعاً واسعاً من زعماء ومشايخ القبائل الليبية، الذين أكدوا شرعية مطالبة مجلس النواب الليبي لمصر بالتدخل لحماية الأمن الليبي والمصري، إذا دعت الحاجة لذلك. ومن جانبه، أكد الرئيس السيسي مجدداً على التصدي للإرهاب وداعميه، إذا تجاوزوا الخط الأحمر، وأن التدخل سيكون بطلب من الشعب الليبي وسينتهي بأمر منه، وأنه سيأتي، إن شاء الله، تدخلاً سريعاً وحاسماً وقادراً على تغيير المشهد العسكري. 
وكان رد فعل أردوغان مثاراً للسخرية، حيث وصف الخطوات المصرية بأنها «غير شرعية»، وكأنه يصدق حقاً أن ما يقوم به من دعم لحكومة السراج وميليشياتها الإرهابية يتصف بالشرعية فعلاً! وقد مللنا من التذكير بأن هذه الحكومة لم تحظ بالشرعية أصلاً؛ لعدم حصولها على ثقة مجلس النواب، وحتى لو تغاضينا عن هذه الحقيقة، فإن مدتها بموجب «اتفاق الصخيرات» الذي أنشأها قد انتهت، وبالتالي فإن مذكرتي التفاهم اللتين عقدهما أردوغان مع السراج، ويستند إلى إحداهما في محاولة إسباغ الشرعية على تدخله في ليبيا، باطلتان أصلاً. وعليه، فقد باتت لعبة الشرعية ممجوجة وعاجزة عن تسويغ أطماعه في ليبيا.
والأدهى من ذلك، حديثه عن اتفاقية جديدة يجري التوصل إليها مع حكومة الميليشيات، وخداعه المفضوح بأن هذه الاتفاقية سوف تكون «تحت مظلة الأمم المتحدة»، وهو يقصد ذلك الإجراء الروتيني الذي لا توجد له أية قيمة قانونية، والمتعلق بإيداع الاتفاقيات الدولية في الأمانة العامة للأمم المتحدة، وهو إجراء ممكن، للأسف، طالما أنها تعترف بحكومة السراج، دون أن يعني هذا أي حجية قانونية لها تتجاوز الطرفين الموقِّعَين عليها. ومن هنا أهمية معركة نزع الشرعية عن حكومة السراج، لوضع حد لتصرفاتها المخلة باستقلال ليبيا وأمنها وبالأمن العربي برمته، وهي معركة صعبة، لكن خوضها واجب تماماً، كما أن المعركة العسكرية ضد الإرهاب وحماته لا مفر منها، إذا لم يفهموا رسالة الردع العربية، مهما كانت التضحيات.