العولمة ليست مفهوماً جديداً فقد بدأت منذ الحضارات القديمة، وفي نهاية القرن السادس عشر الميلادي ظهرت بحلة جديدة مع بداية الامتداد الاستعماري الغربي لآسيا وأفريقيا والأميركيتين، وحتى في الدول الأوروبية التي تعدّ الحلقة الأضعف في أوروبا. ومع تطور النظام التجاري الحديث في أوروبا وأميركا ظهر نظام عالمي معقد اتصف بحرية انتقال المعلومات، وتدفق رؤوس الأموال، والأفكار المختلفة والتكنولوجيا، والمنتجات والسلع والبشر، وتكريس فكرة أن العالم أشبه بقرية صغيرة وبالتالي الإندماج الأعمق في الاقتصاد في تاريخ البشرية، واتباع نهج انتقائي ضد كل من يعارض صعود العولمة أو أتمتتها اليوم.
فلم تعد العولمة التقليدية هي المسيطرة بلّ حلّت مكانها العولمة الذكية والرقمية الهجينة، فهي تلبس ثوباً جديداً إلّا أن ملامحها لم تتغير بالرغم من التعديلات التي طالتها يساراً ويميناً، وظهور عوامل التعرية المعرفية المعاصرة على وجها الشاحب، وولادة تصور جديد للعولمة يتقاطع مع مجال التبصّر المستقبلي والعنصر البحثي التطلعي، وذلك من خلال تتبع ورصد الاتجاهات الحالية والناشئة ذات الصلة بالإطار الاستراتيجي لمصالح قوى العالم الأكثر حضوراً على الساحة الدولية من جميع الجوانب، بعد أن أصبح دخل بعض الشركات يفوق دخل عشرات الدول، كما أن إيرادات أكبر 3 شركات في العالم تفوق دخل دول الخليج مجتمعةً، ولذلك فالعولمة حتمية وفق المعطيات الميدانية، والتبادل في الجلوس على كرسي القيادة لا يعني أن الشخص الآخر لا يسير في الاتجاه نفسه، أو لن يصل في الوقت نفسه.
فالعولمة اليوم تعني نوعية وليس حجم المعرفة المسموح بمعرفة دهاليزها، ومن يملك التأثير من خلال التقدم الفائق الدقة في البحث العلمي وإدارة الأنظمة الديناميكية والابتكار والاختراع والتنبؤ الحسابي بالمستقبل وتقنيات الحروب غير القتالية وتطبيقات التواصل الاجتماعي والذكاء الاصطناعي، وعلوم الفضاء والاتصالات والتحكم بميول وأذواق المجتمعات البشرية ومواردها، وجعل احتياجات العالم مترابطة في دائرة اتصالات وتواصل على مدار الساعة، وكيف ستلعب تكنولوجيات وممارسات المراقبة التي تأخذ طابعاً محلياً وإقليمياً ودولياً دوراً محورياً في الربط الشبكي بين الأشياء العادية، والهياكل الأساسية القائمة في ما يسمى على نطاق واسع «إنترنت الأشياء»، وخلق الظروف الملائمة لتعميق وتوسيع عملية التخصّص الذكي.
وقريباً سنرى الموظفين في القطاعين العام والخاص من مختلف دول العالم يعملون معاً في مشاريع مشتركة لتحديات تواجه البشرية والقطاع الذي يعملون به، وتسخير بيئة الابتكار والاختراعات للصالح المشترك بينهم، وذلك كتطوير لقاحات ناجحة لأوبئة مختلفة، واللامركزية الأممية للدول الأقوى والسيطرة بالوكالة عن طريق التكنولوجيا، وجعل القطاع الخاص السلاح الدبلوماسي الأكثر تأثيراً، إلى جانب تعويم الأفكار وإغراق سوق القيم بالمبادئ المضطربة، ونسخ ولصق الهويات للتحكم بمنابع ريادة الأعمال في كل زاوية في العالم، والعمل على حوكمة النظام الإيكولوجي للابتكار.
ففي ما هو قادم قد يدرس طالب الثانوية داخل العالم العربي في كندا دون أن يغادر منزله والعكس صحيح، وتصبح الجامعات أكثر تكاملية، ويستطيع الطالب الجامعي أن يتسكع فكرياً عبر جامعات العالم وفقاً لبروتوكولات معينة ستنشئها الحاجة لتعاون بشري أكبر لمواجهة المجهول، وستختفي عملات العالم وتصبح هنالك عملة عالمية ذكية، ويتحول الاقتصاد الرقمي إلى منصات بحثية متعددة التخصصات ومفتوحة للجميع، ويكون تحليل البيانات الكبرى وتوظيفها هو حقول نفط المستقبل القريب، وستأخذ البنية التحتية لمجتمع المعلومات صفةً عالميةً غير مسبوقة.