يدرك الجميع، سواء داخل دولة الإمارات العربية المتحدة أو في بقية دول العالم، حجم ونتائج أزمة جائحة كورونا التي تجتاح الكرة الأرضية منذ نهاية العام 2019 وما لها من تأثير صحي واقتصادي لم يسبق له الحدوث على المستوى العالمي. فحتى كتابة هذه السطور أصاب الفيروس ما يزيد على 14 ‬مليون ‬شخص، ‬وتسبب ‬في ‬وفاة ‬ما ‬يزيد ‬على ‬600 ‬ألف ‬مصاب، ‬وما ‬زال ‬العالم ‬يبحث ‬عن ‬اللقاح ‬المناسب ‬للقضاء ‬عليه ‬بالتزامن ‬مع ‬إجراءات ‬إعادة ‬عجلة ‬الاقتصاد ‬للدوران ‬في ‬معظم ‬دول ‬العالم، ‬والتعايش ‬مع ‬الجائحة ‬شرط ‬اتباع ‬الإجراءات ‬الاحترازية كافة ‬للوقاية ‬من ‬الإصابة. 

وهنا يتضح الفارق بين دول ما زالت تحيا على الإجراءات والمكونات الحكومية ذاتها في عصر ما قبل «كورونا» وبين أخرى ما زالت في مرحلة «الصدمة» وتتخذ قرارات لا ترقى لمستوى طبيعة الجائحة، وبين دول أخرى استعدت بشكل جيد للجائحة، وبالتالي جاءت استجابتها على أفضل صورة ممكنة، ما ساهم في الحد من انتشار الفيروس، والتقليل من الإصابات والوفيات، وتأتي دولة الإمارات العربية المتحدة في طليعة تلك الدول. ولكن ما تميزت به الإمارات عن بقية دول العالم التي استعدت واستجابت بأسلوب ناجح للأزمة يكمن في رؤية قيادتها للوضع المحلي والدولي ما بعد أزمة «كورونا»، إذ قال صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، في بداية شهر مايو الماضي: «نحن اليوم نشكل فريق الإمارات.. أكبر فريق عمل حكومي في تاريخ دولتنا.. مهمته نقل اقتصادنا ومجتمعنا وقطاعاتنا الصحية والتعليمية والخدمية إلى بر الأمان لمرحلة ما بعد كوفيد-19». 
وخلال ما يقارب شهر، نفذت القيادة رؤيتها بالإعلان عن أكبر إعادة لهيكلة الحكومة الاتحادية في تاريخ الإمارات منذ إنشائها في 1971 مع إعطاء تلك الحكومة الجديدة فترة عام واحد لتحقيق الأولويات التي تم تحديدها لها. واللافت أيضاً أن الحكومة الجديدة تشهد الآن الخطوة التاريخية، ألا وهي إطلاق «مسبار الأمل» إلى المريخ، خطوة نجحت الإمارات في إنجازها بعد 6 سنوات من العمل المصحوب بإرادة وتخطيط بأفق لا يعرف المستحيل، وبطموح يوازي طموح الدول الكبرى التي تخطط لاستكشاف الفضاء. 
والمتفحص للهيكلة الجديدة لحكومة الإمارات، يدرك ثلاث نقاط على قدر كبير من الأهمية. النقطة الأولى هي مدى عمق التحليل الاستراتيجي الذي قامت به القيادة منذ تفشي الجائحة واستنباط تأثيرها على المستويات كافة، وتحديداً في قطاعي الاقتصاد والأمن الغذائي. ولقد ساهمت تلك النظرة التحليلية الشاملة في تحقيق النقطة الثانية ألا وهي التحديد الدقيق للتغيير المٌراد إحداثه لكي تستطيع الحكومة القيام بمهامها في مرحلة ما بعد أزمة كورونا، وهنا ندرك أهمية إيلاء ملف الاقتصاد أولوية قصوى بتعيين 3 وزراء ضمن وزارة الاقتصاد بجانب تكليف وزيرين ملف الأمن الغذائي واستحداث وزارة للصناعة والتكنولوجيا المتقدمة ودمج 50% من الهيئات الاتحادية، بجانب إنشاء المكتب الإعلامي لحكومة الإمارات، وإلغاء 50% من مراكز الخدمة الحكومية وتحويلها لمنصات رقمية خلال عامين. أما النقطة الثالثة التي نلاحظها في الهيكلة الجديدة لحكومة الإمارات، هي مراعاة القيادة لجميع السيناريوهات المستقبلية التي قد تحدث على المستوى الدولي، ولها تأثير على المستوى المحلي، وذلك من خلال تصميم أفضل نموذج حكومي يلائم عصر ما بعد كورونا، تستطيع مكوناته اتخاذ القرارات في أسرع وقت بأسلوب مرن وسريع، مع تطوير أفضل المنهجيات الاستباقية الشاملة التي تدرس الواقع، وتستشرف تحديات المرحلة القادمة، وتبتكر الحلول اللازمة لمواجهتها. 
تلك هي باكورة الدروس المستفادة من أزمة كورونا التي استطاعت الإمارات أن تحددها وتقوم بتحليلها ودراستها بعمق وشفافية، لتضع أمام المواطن والمقيم الحكومة التي تنتقل بنا نحو المستقبل، ولتضع الإمارات مرة أخرى بصمتها بين دول العالم، سواء في التصدي لكورونا، وأيضاً في استكشاف الفضاء.