الهجمات ضد الدول العربية لم تتوقف منذ سنواتٍ طويلة، وهي تأتي من مصادر خارجية أو داخلية أو منهما معاً، فبعض الهجمات يكون مصدرها قوى إقليمية مثل إيران أو تركيا وبعضها يكون مصدرها دولةٌ عربيةٌ صغيرةٌ تدعم الإرهاب وبعضها من جماعات الإسلام السياسي الداخلية ذات البعد الخارجي كجماعة «الإخوان» الفرعية وعلاقتها بالتنظيم الدولي.
في اليمن على سبيل المثال، فإن التدخل الإيراني القطري الداعم لميليشيات «الحوثي» مع عمالة هذه الميليشيا من الأساس حين اجتمعت مع عمالة جماعة «الإخوان» في اليمن تشكل المشهد الحالي لدولة الفوضى والدولة الفاشلة هناك، ومن قبل كان المشهد في العراق عبر تدخل خارجي أميركي ترك الساحة لتدخلات إيران وتشكيل الميليشيات من عملاء الداخل مع عمالة جماعة «الإخوان» في العراق، كلها تسببت في دولة الفوضى والفشل هناك. ويصح هذا على سوريا ولبنان بدرجاتٍ متفاوتةٍ.
أخطأت أميركا في العراق من قبل، وها هي ترتكب الخطأ مرةً أخرى في ليبيا حين تمنح أردوغان الضوء الأخضر للتدخل العسكري في ليبيا، وهو ما جلب الآلاف المؤلفة من المرتزقة الإرهابيين من سوريا إلى ليبيا، ولئن اعترفت وزارة الدفاع الأميركية بما يقارب الأربعة آلاف مقاتل، فإن أعداد هؤلاء المرتزقة تبدو أكبر بكثير.
معروفة قصة مستشار الأمن القومي الأميركي «بريجنسكي»، حين دخل على الرئيس الأميركي السابق جيمي كارتر مبشراً له بدخول الاتحاد السوفييتي لأفغانستان قائلاً: لقد جاء وقت رد جميل فيتنام للسوفييت، وبإمكان ليبيا أن تكون مكاناً لرد جميل تركيا في العراق وسوريا من نشر الفوضى ودعم الإرهاب واستغلال الموارد فتكون رمال ليبيا العربية هي الوحل الذي سيغرق فيه أردوغان بتهور سياساته وأوهامه وأحلامه بالخلافة والسيطرة على الدول العربية.
الموقف المنطقي والمفهوم عالمياً هو حق الدولة المصرية الأصيل في الدفاع عن أمنها القومي من تجميع تركيا للإرهابيين من كل أنحاء العالم لاحتلال ليبيا وتهديد مصر وبخاصة أن مواقف أردوغان السياسية من الدولة المصرية كانت دائماً متشنجة وغريبة بعد سقوط حكم حلفائه من جماعة «الإخوان» هناك، وهو لا يخفي عداءه لمصر شعباً وحكومةً وجيشاً.
لم تكتف مصر بهذا الحق الأصيل بل جمعت زعماء القبائل الليبية وبدعمٍ من مجلس النواب المنتخب في ليبيا وتلقت صراحةً طلب الشعب الليبي من مصر وجيشها أن تتدخل عسكرياً في ليبيا لحمايتها من المحتل التركي والميليشيات الإرهابية متعددة الجنسيات والمرتزقة، وهو طلبٌ شرعيٌ معتبرٌ قانونياً.أبدت الدول العربية القائدة والرائدة من السعودية والإمارات ومن معهما من الدول العربية تأييداً كاملاً لحقوق مصر والوقوف معها قلباً وقالباً، وهو ما يعزّز فرص أن تصنع مصر التاريخ مجدداً في العالم العربي والمنطقة وتدخل ليبيا وتواجه المحتل التركي وتذيقه الأمرين حتى يعود لبلاده وراء البحار، ومعلومٌ أن الجيش المصري من أقوى الجيوش في المنطقة وهو إنْ قاتل فإنما يقاتل تحت راية المشروعية السياسية والقانونية والدينية والعرقية والأخلاقية، وليس أضعف أمام هذا كله من جيشٍ أعجميٍ محتلٍ يعلم جيداً أنه لا يمتلك من المشروعية أي شيء سوى الطمع.
تبدو أميركا ذات موقفين وإنْ سيطر عليها الهاجس الروسي فجعلها تدعم الأصولي أردوغان، ولن تلبث أن تعود لرشدها، وتبدو أوروبا ذات أهواء متعددةٍ، ولكن مواقف دولها تتقارب في رفضها التام لإنشاء تركيا لقواعد عسكرية بجنوب أوروبا المباشر في ليبيا، وهي مواقف لم تزل في طور التبلور وإنْ كانت فرنسا أفضلها.
أخيراً، فما أجمل ما قاله الشاعر العربي القديم:
من راقب الناس مات هماً/ وفاز باللذة الجَسور