الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
علوم الدار

الحياة ما بعد «كورونا».. حان وقت التعلم من الطبيعة

الحياة ما بعد «كورونا».. حان وقت التعلم من الطبيعة
19 يوليو 2020 01:15

د. شيخة سالم الظاهري*

منذ أيام قليلة، أُتيحت لي الفرصة للتحدث إلى 200 من الشباب الإماراتي الواعد، من خلال مبادرة مميزة ينظمها برنامج تواصل مع الطبيعة، والتي تشجع الشباب على «تخيل الحياة بعد كوفيد - 19». تتيح سلسلة «تخيل» فرص التعاون بين الشباب، وتعزز من تواصلهم مع صناع القرار، لقيادة التغيير وتحقيق التعافي البيئي لدولة الإمارات. 
لقد كان اللقاء ذا طبيعة خاصة بالنسبة لي، فأنا أم لخمسة أبناء، وقد خضت هذا الحوار المتعمق مع شبابنا لتشجيعهم على المساهمة في وضع رؤية تفاؤلية لتعافي دولة الإمارات وكوكب الأرض بعد الأزمة الراهنة. جاءت المناقشة تحت عنوان «نتعلم من الماضي ونخطط للمستقبل»، حيث ركزنا على تحقيق التوازن بين الحياة العصرية والتقاليد الإماراتية الأصيلة، ودورنا في حماية الأنواع والنظم البيئية. 
 بدأت علاقتي بالطبيعة في سن مبكرة، حيث كان والدي يحب الزراعة والنباتات، ولكنه كان يسعى جاهداً لاستخدام الموارد المتاحة بكفاءة. لقد كنت أتابعه وأتعلم منه هذه الدروس الحياتية المهمة، والتي قمت بتطبيقها في حياتي الشخصية والمهنية. ساهم ذلك في تشكيل شغفي البيئي، وعزز من تواصلي مع الطبيعة. أفخر بنجاحي في نقل هذه القيم إلى أبنائي، وأتمنى أن يحملوها إلى أبنائهم وأحفادهم.
يُشكل الماضي جزءاً من هويتنا، ويجب أن نحافظ على ما اكتسبناه. هناك الكثير من المعرفة والحكمة التي تتناقلها الأجيال التي كانت تعيش في تواصل مباشر مع الطبيعة، تلك الحكمة التي لا يستطيع الشباب أن يكتسبوها وحدهم. من الضروري التواصل مع الآباء والأجداد، لنفهم ونحترم عاداتهم وممارساتهم، ويجب أن نحمل هذه التقاليد والإرث لنستفيد منها ونحملها إلى الأجيال القادمة.
 أنا سعيدة لأنني ولدت في بلد يقدر فيه قادته الثقافة والتقاليد بقدر ما يقدرون التنمية. إذا تعلمت شيئاً من والدي، فقد تعلمت الكثير أيضاً من والدنا المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان. لم يكن مجرد صاحب رؤية ثاقبة فحسب، بل كان أيضاً عالماً محباً للطبيعة، ترك بصماته على هويتنا الوطنية والثقافية. 
نفخر بتقاليدنا، ونضمن حماية هذا التراث الثقافي غير المادي والحفاظ عليه للأجيال القادمة، من الصقارة إلى الصيد بالكلاب السلوقي وسباق الهجن وصيد اللؤلؤ - كل هذا جزء من تراثنا الطبيعي والثقافي. وبفضل جهود دولة الإمارات العربية المتحدة، تم الاعتراف بالصقارة على أنها تراث ثقافي غير ملموس من قبل «اليونيسكو» في عام 2010.
تعد المياه من أثمن الموارد الطبيعية في منطقتنا من العالم. فنظام الري التقليدي المسمى «الأفلاج» في مدينة العين هو أحد أقدم نظم للري، حيث يعود إلى 3000 عام. اهتم الشيخ زايد بها بنفسه، بل وساعد في حفر بعضها عندما تم تجديد النظام في عام 1946. يُنسب جزء كبير من المساحات الخضراء في العين إلى أنظمة الأفلاج هذه، وهي واحدة من أفضل الأمثلة على تراثنا الطبيعي المرتبط بالحفاظ على المياه التي تعتبر أهم مواردنا الطبيعية.
 تعتبر المعارف والممارسات التقليدية عناصر مهمة في نهجنا لمعالجة بعض القضايا البيئية الأكثر إلحاحاً محلياً، مثل الإفراط في استغلال المصايد والرعي الجائر. ونحن في هيئة البيئة - أبوظبي، بذلنا جهوداً متضافرة لجمع المعرفة التي يمتلكها الصيادون وأصحاب الإبل، لفهم تلك الروابط المهمة ودمجها مع فهمنا العلمي للقضايا البيئية. 
  إذا كان قادتنا يتطلعون ويبذلون جهوداً حثيثة لحماية تراثنا الثقافي، فقد كان لهم دور فاعل أيضاً في تنفيذ مبادرات أدت إلى الحفاظ على تراثنا الطبيعي. وتعد قصة المها العربي من أفضل الأمثلة، فهذا النوع الذي تم صيده إلى أن وصل إلى حافة الانقراض، تمت إعادة توطينه من خلال المبادرة الرائدة للمغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، عندما أدرك برؤيته الثاقبة أن المها العربي تعرضت للصيد الجائر، وأن هذا النوع الفريد قد ينقرض للأبد، فأرسل زوجاً من هذا المها إلى الولايات المتحدة لبدء برنامج إكثار هذا الكائن الوديع. واليوم، هناك ما يقرب من 5000 من المها العربي في أبوظبي وحدها، بما في ذلك أكثر من 850 تتجول بحرية في محمية المها العربي في أبوظبي.
قصة أخرى قريبة إلى قلبي، هي إنشاء محمية الوثبة للأراضي الرطبة. فقد تكونت بحيرة الوثبة نتيجة لتدفق فائض مياه الصرف الصحي المعالجة من محطة المفرق، فكونت بحيرات شكلت منطقة جاذبة للحياة الفطرية، وأصبحت في فترة وجيزة مأوى لأنواع كثيرة من الطيور وبشكل خاص طيور الفلامنجو «النحام الكبير». وقد وجه المغفور له الشيخ زايد بحماية المنطقة التي تديرها «الهيئة». واليوم، تعد المحمية الموقع الوحيد في الخليج العربي الذي تتكاثر فيه طيور الفلامنجو بانتظام.
نحن نعيش في عالم مترابط، وواحد من أفضل الطرق لرؤية ذلك الترابط هو أن يكون مع الطبيعة. يتيح لنا التواصل مع الطبيعة تقدير العلاقة المتبادلة، حيث يتفاعل كل كائن حي، بشكل مباشر أو غير مباشر مع عناصر أخرى من هذا النظام البيئي. لقد حان الوقت لكي نتعلم كيف نقدّر التوازن البيئي الدقيق، ومراعاة أن الأنشطة البشرية غير المؤذية لا تعطله. 
  لقد حان الوقت لنا جميعاً لنتواصل مع الطبيعة ومع إرثنا الثقافي، ولنتعلم كيف نحافظ عليه ونحميه للأجيال القادمة.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©