هل ستستطيع أوروبا التصالح مع تاريخها الاستعماري والسياسي في التعاطي مع هموم أفريقيا، الآني منها والمستقبلي؟ ربما قد يكون ذلك هو التحدي الأكبر أمام أوروبا وأفريقيا، والبعد الآخر في هذه الأحجية المتداخلة هو، هل ستستطيع أوروبا أن تتعاطى بشكل موضوعي مع أشكال تلك العلاقة برؤى مستقبلية؟ النماذج الأفريقية القادرة على تمثيل جسورٍ مستقبلية متوفرة، إلا أن النماذج الكبرى القادرة على لعب دور إقليمي فاعل هو ما ينقص الجغرافيا الأفريقية. وأوروبا القريبة منها، أو لنقل، الأكثر قرباً منها لا زالت مترددة في الانخراط بأشكالٍ غير تقليدية في التأثير على مسار الصراعات، أو حسم أخطرها لقربة منها.
توجس أوروبا من الانخراط في الأزمات الأفريقية ليس له ما يبرره، وقد كانت هي المتضرر الأكبر منذ مطلع الألفية وانتقال الإرهاب إلى أراضيها عبر المتوسط، وإفراطها في التسامح مع التيارات الإسلاماوية الراديكالية على أراضيها. إلا أن كلمة رئيس الوزراء الفرنسي، «جان كاستيكس» أمام الجمعية الوطنية قد تُعد إشارة تحول جاد في الموقف الأوروبي من أفريقيا «أن مكافحة التطرف الإسلامي بكل أشكاله كان وسيبقى أحد أولويات الحكومات الفرنسية». المدى الذي سيبلغه الانخراط الأوروبي يجب أن يتجاوز مبدأ محاربة الإرهاب والتحلل من عبء العباءة السياسية الأميركية، فكلفة الفراغ السياسي في أفريقيا هو مصدر تهديد لأمنها وأمن أفريقيا دون سواهما. 
محاربة الإرهاب فيما يعرف بدول الساحل (غرب أفريقيا) قد تمثل نقطة توافق وتقاطع مصالح دولية، إلا أن تعدد البرامج في فضاء سياسي غير مستقر، يُعد تحدياً من صنع تعارض مصالح بعضها، أو في اختيار الأدوات. ويعد خروج فرنسا (العضو القاري أوروبياً) من عملية حفظ الأمن التابعة لحلف «الناتو» في المتوسط، والاكتفاء بنفس الدور ضمن عملية «إيرني» الأوروبية، أمراً يحمل أكثر من عنوان ورسالة. وأولها، عدم التوافق الأوروبي الأميركي من مقاربات عملية قادرة على إنهاء الصراع في ليبيا. فإن كانت منطلقات تركيا وإيطاليا أفريقياً مستمد من إرثهما الاستعماري، فبماذا يمكن أن تبرر به الولايات المتحدة موقفها منهما وهو الذي أضاف الكثير من التعقيدات للمشهد الليبي.
قرار أوروبا رفع تعداد قواتها العاملة في دول «الساحل» يعد تأكيداً على نيتها الانخراط الجاد والدائم في أفريقيا بما يخدم المصالح الأفريقية الأوروبية المشتركة. وقد رصد الاتحاد الأوروبي مبلغ 11.6 مليار يورو لدعم برامج التنمية في دول الساحل الخمس، من خلال تنفيذ 800 مشروع تتمحور حول تدريب وتوظيف الشباب، التنمية الريفية والأمن الغذائي، الطاقة ومحاربة التصحر، الحوكمة، الأمن الداخلي، وأخيراً تطوير المنظومة الإدارية (اللامركزية).
تُعتبر مثل تلك البرامج الركيزة الواجب اعتمادها من قبل المجتمع الدولي تجاه أفريقيا، لأن الاستثمار في استقرار أفريقيا هو هدف استراتيجي من المنظور الدولي. أما التعاطي اللامسؤول من جملة الملفات الأفريقية في ظل غياب دور فاعل من قبل الاتحاد الأفريقي، أو دوله القادرة على لعب دورٍ مركزي قادر على تحفيز آليات الاستقرار، فإن ذلك مؤشر على أن مبدأ تعارض المصالح السائد، سيفضى لاستدامة أزماتها والإضرار بآمال شعوبها في استعادة الاستقرار وتهديد الأمن الأفريقي والدولي.