يعتقد كثير من «المغردين والسنابيين والانستجراميين والفيسبوكيين» وباقي أصدقائهم الافتراضيين، أن عصر الإعلام التقليدي قد بدأ في الأفول، وبدأت تحل محله «صحافة المواطن» في فضاءات التواصل الاجتماعي. يظن هؤلاء القادمون من شاشة الجوال وكيبوردها الصغير، أن ما يكتبونه ويدوّرونه في هذه الفضاءات المفتوحة للجميع، هو تعبير صادق عن حقيقة الإعلام.

والحقيقة أن ما يُطرح في هذه المنصات ما هو إلا نقل «لصفحات ومساحات القارئ»، من محاضنها التقليدية في الصحف والإذاعات والتليفزيونات إلى فضاءات ومنصات التواصل الاجتماعي الجديدة، مع تحوير صغير ومحدود، ففيما كانت كتاباته في الصحف ومداخلاته التلفزيونية والإذاعية، تمر في السابق عبر الرقيب اللغوي والأخلاقي والاجتماعي والديني والسياسي، أضحت اليوم تجد طريقها للعراء بكل حرية من دون «فلترة» أو تهذيب. 

غالب ما يُطرح على صفحات منصات التواصل الاجتماعي اليوم، لا يعدو كونه «آراء وتعليقات» للمواطن المستخدم «لشاشة الجوال وكيبوردها الصغير»، إلى جانب نسبة صغيرة من المشاركات التي تدخل في شكل أو بآخر تحت مظلة «صفحة القارئ» مثل عرض لوحة تشكيلية أو صورة فوتوغرافية أو منتج أدبي أو عظة دينية أو ما شابه. وأما المواد الصحافية المتداولة بين المغردين، سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو رياضية أو غيرها، فمصدرها في العادة وسائل الإعلام بصيغتها التقليدية، وكل ما يقوم به المغرد في هذا الإطار، هو أن يلبس «ثوب الصدى»، ليعكس المادة الصحافية الحقيقية إلى متابعيه بشكل يتناسب مع تعليمه وثقافته وإيديولوجياته في الحياة، فهو إما ناقل (صدى) أمين للصحافة التقليدية، وإما مشوه لأصل المادة الصحافية عن عمد أو جهل.


الإعلام الحقيقي ليس هو حرية التعبير عن الرأي فقط، وإنما هو تغطية وتفسير الأحداث، وتثقيف وترفيه المجتمعات وتنشئتها اجتماعياً وسياسياً وثقافياً في إطار من حرية التعبير المضبوطة بأخلاقيات المجتمع (أي مجتمع)، وعمقه الديني والتاريخي. الإعلام الحقيقي هو الخبر والتحقيق والتقرير والحوار والمادة التثقيفية والترفيهية والتعليمية التي يقوم عليها مختصون لا هواة.

قد تتحول «تويتر» في المستقبل إلى وسيلة إعلامية قائمة بذاتها. وقد تفعل فيسبوك كذلك. قد تتحول كل منصات التواصل الاجتماعي في المستقبل إلى وسائل إعلامية، وهذا ما تشتغل عليه بالفعل هذه المنصات في الوقت الحاضر، لكن ذلك لن يكون بالطبع عبر استخدام المشتركين في هذه الوسائل كصحفيين مستقلين، وإنما عبر توظيف صحفيين محترفين لصناعة المادة الصحافية وتمريرها إلى رواد التواصل الاجتماعي، ليتولوا من جهتهم تفعيل «خاصية الصدى» في حضورهم الافتراضي. 

الصحافة هي كما نعرفها، وأما الفهم المغلوط لحقيقتها، الذي صار يتبناه «مجموعة من الافتراضيين» ذوي النوايا الطيبة، فهو السبب في خلق «منصات شريرة»، استغلت فوضى الفهم هذه، وراحت توجه «القطيع البايناري» يميناً أو شمالاً كما يحلو لها.
*كاتب سعودي