على الرغم من وجود بنية واحدة للخطاب، فإنه على أنواع متعددة يمكن إجمالها في الآتي:
أولا: الخطاب الديني، وهو خطاب أمْري تسليمي، يطالب بالإيمان بالغيب وبالعقائد، ويعتمد على الإرشاد والوعظ وتصوير الحياة الأخروية وما بها من نعيم وعذاب. وهو على أنواع؛ فقد يكون خطاباً عقائدياً كما هو الحال في علم الكلام، أو خطاباً باطنياً كما هو الحال في التصوف، أو خطاباً تشريعياً كما هو الحال في الفقه وأصوله. وللخطاب الديني أصول وفروع، وهو يعتمد على النص والعقل الذي يفسره ويستنبط منه الأحكام والقواعد والتوجيهات والمعاني والعبر. 
ثانياً: الخطاب الفلسفي، وهو استثمار وتطوير للخطاب الديني، وإن تحرر من الجانب العقائدي القطعي النقلي وأحاله إلى خطاب عقلي برهاني. يقبل الحوار والرأي والرأي الآخر، ويحتوي على مقاييس صدقه؛ أي الاتساق وتطابق النتائج مع المقدمات إذا كان استنباطياً، ومع الواقع إذا كان استقرائياً، ومع التجربة الإنسانية إذا كان خطاباً من العلوم الإنسانية. وهو قادر على التعميم والتجريد والصياغات النظرية للقوانين، كما أنه إنساني النزعة، متفتح على الحضارات الأخرى، يخاطب جمهور المختصين بصرف النظر عن انتماءاتهم الدينية والعرقية والسياسية.. وأحياناً لا يفهمه إلا الخاصة وأحياناً تفهمه العامة إذا كان بسيطاً وواضحاً وبعيداً عن التعقيدات الفلسفية، كما أنه مثالي الطابع، أخلاقي النزعة، يدعو إلى المثل الفاضلة. 
ثالثاً: الخطاب الأخلاقي، وهو قراءة للخطاب الديني والخطاب الفلسفي إلى الحد الأدنى الذي يتفق عليه الناس جميعاً، أي الفضائل والتمييز بينها وبين الرذائل. يختزل العقائد والنظريات في قواعد للسلوك الفاضل والمعاملة الحسنة. لقد جاء الرسول صلى الله عليه وسلم ليتمم مكارم الأخلاق، لذلك نشأت مدرسة دينية فلسفية تجعل الأخلاق جوهر الدين، مثل مسكويه والراغب الأصفهاني والصوفية. وكذلك الشأن بالنسبة للحركة البروتستانتية الليبرالية عند هارناك والكاثوليكية التجديدية عند لوازي، والإصلاحية اليهودية عند اسبينوزا ومندلسون.. إلخ. قد يختلف الناس حول العقائد الدينية والنظريات الفلسفية، لكنهم يتفقون حول القيم والفضائل وقواعد الأخلاق. إنها تجمع ولا تفرق، لذا فهي تعد الحد الأدنى الذي يصل إليه كل الناس يقيناً.
رابعاً: الخطاب القانوني، وهو اختزال للخطاب الديني والفلسفي والأخلاقي إلى مجموعة من الأوامر والنواهي. فالدين شريعة، والفلسفة مواعظ، والنظر عمل. لذلك فقد ازدهر منطق القانون داخل الخطابين الديني والفلسفي، مثل الاستنباط والقياس والاجتهاد. والخطاب القانوني خطاب عام للناس جميعاً، يضع قواعد للسلوك وعقوبات في حالة خرق القانون. وهو يعتمد على العقاب أكثر مما يعتمد على الجزاء، وقد يصل العقاب إلى حد الإعدام. وعادة ما تحدث المفارقات بين القاعدة والتطبيق، بين صورية القانون وماديته، بين الشدة واللين، بين حسن النية وسوئها، بين المصلحة العامة والمصلحة الخاصة. وقد نشأت المدارس السلفية للتأكيد على هذا الجانب في الخطاب الديني. وهناك في الشريعة الإسلامية ما يسمى العزائم والرخَص طبقاً للقدرة، والتعزير تقديراً للعقوبة.

*أستاذ الفلسفة -جامعة القاهرة