انطلاقاً من الحرص على المساعدة الفكرية لتوضيح الجوانب المتعلقة بالجهد الوطني الخلاق الهادف إلى تبني تطبيقات الذكاء الصناعي في خدمة الدولة والمجتمع نشير إلى التالي:
أولاً، الإمارات دولة ومجتمع تستطيع الالتفات جيداً والاهتمام بطبيعة التحدي الذي يواجهها. والاعتراف بوجود تنافس عالمي شديد على صعيد الذكاء الصناعي، وبأن الإمارات جزء من هذا التنافس، وهي تواجهه في محتوى قد تكون النتائج التي تتمخض عنه مهمة لمستقبلها السياسي والاقتصادي والاجتماعي والأمني، وأيضاً ضرورية للخروج من هذا التنافس وهي فائزة ومتفوقة.
والأمر هنا شبيه بالتنافس على صعيد كرة القدم للوصول إلى نهائيات كأس العالم، فهذا التنافس الرياضي من المفترض أن يوفر لنا تناظراً وظيفياً وتشابهاً جزئياً من أجل التفكير حول استراتيجية تنافسية للفوز على صعيد الذكاء الاصطناعي، وهي كاستراتيجية لا بد وأن تذكرنا بأن المنافسة هي بطبيعتها أمر حميد لا بد وأن ينتج عنها أداء متفوق، خاصة عندما يكون الاستعداد الجيد للمنافسة على أرقى درجاته وأكثرها دقة وتنظيماً.
ثانياً، في مثل هذه المنافسة دولة الإمارات لا يمكن أن تكون هي المتفوقة دائماً، وهذه الحقيقة لا بد وأن نضعها نصب أعيننا دائماً لأسباب عدة، أولها أن المنافسين على صعيد الذكاء الاصطناعي عمالقة هم الولايات المتحدة والصين واليابان وعدد من دول أوروبا الغربية وروسيا وكوريا الجنوبية، بالإضافة إلى دول عدة في مشارق الأرض ومغاربها، فدولة كالولايات المتحدة مثلاً لا بد وأن تتفوق لأسباب عدة أقلها تقدمها العلمي وَسْبقِها في المجال والوفرة المالية التي بيدها وكثرة عدد سكانها، وقس على ذلك بالنسبة لغيرها من الأمم.
لكن ما تستطيع دولة الإمارات فعله أن تكون هي الأذكى، فما نعتقده هو أنه ضمن السعي نحو تحسين وتطوير جوانب الذكاء الاصطناعي الأكثر تقدماً هو أن الأذكى من البشر ولو بقليل هو الذي يصنع الفارق.
وهنا تأتي مسألة الانفتاح على العالم، حيث تستطيع الإمارات استقطاب الكفاءات النادرة من وسط جميع سكان الكرة الأرضية إلى جانب تنمية وتطوير الكفاءات المواطنة، وأن تجعل من هذه الكفاءات تشعر بأهميتها وفائدتها للبشرية وتقوم بتشجيعها مادياً وأدبياً لاستخلاص الكوامن من إمكانياتها إلى أقصى درجة ممكنة.
ثالثاً، التركيز على عقد المؤتمرات واللقاءات وورش العمل العلمية - الفكرية العالمية وجعل الإمارات منصة عالمية لمثل هذه الفعاليات مع تركيز على تبني كافة اللغات الحية في التخاطب مع العالم في المسائل المتعلقة بالذكاء الصناعي والتكنولوجيا المتقدمة وغيرها من العلوم، مع الأخذ بعين الاعتبار بأن اللغة الإنجليزية هي السائدة في عالم اليوم على الصعد العلمية والمال والأعمال والدبلوماسية الدولية.
وربما ينتقد هذا الطرح مشيرين إلى أن اللغة العربية، هي الأولى، لكن المسألة هنا لا تتعلق بالعاطفة، لكن بمصالح عليا لدولة وشعب، وتمسكنا بلغتنا الأم وحدها في هذه المجالات هو ضرب من الحديث مع النفس، لأن الآخر الذي نخاطبه في مجالات الذكاء الصناعي والتكنولوجيا لن يفهمنا. إن سكان العالم اليوم قريبون من ثمانية مليارات نسمة، نصف هؤلاء تقريباً يتحدثون الإنجليزية.
رابعاً، القطاع الخاص في الإمارات، خاصة المؤسسات الكبرى، من المحتمل لها أن تكون هي المستفيد الأكبر من وجود المنصات العلمية - الفكرية على أراضي الدولة فعن طريقها، خاصة إذا قامت هي بتأسيسها وتمويلها والإسهام في تشغيلها، تستطيع توسيع نشاطاتها الخارجية، فالإمارات مقبلة لكي تتقدم اقتصادياً وصناعياً وستحتاج إلى جهود مؤسسات القطاع الخاص للإسهام في ذلك.
خامساً، وأخيراً تحتاج الإمارات إلى المزيد من التعاون مع دول العالم كافة، ففي الوقت الذي تتنافس فيه وتسعى إلى تبوء المراكز المرموقة في المنظومة العالمية، وإلى دور إيجابي وفعال في الشؤون العالمية، عليها أن تسعى أيضاً إلى المزيد من التعاون مع الدول الأخرى حول جميع المسائل التي تتعلق بمصالحها الوطنية العليا، وأن تبحث عن الحلفاء والشركاء أينما وجدوا دون تردد، خاصة الذكاء الصناعي.
*كاتب إماراتي