في العام 1971، كانت الإمارات أمام مفترق طرق، حين اختارت أن تبني لنفسها كياناً اتحادياً أصبح اليوم نموذجاً لفكرة الوحدة التي يحلم بها كل عربي.
واليوم، بعد خمسين سنة من عمر هذا الاتحاد، تقف الإمارات من جديد، ولكن أمام مفترق أفق، بدخولها عصر الفضاء، وعبر إرسال أبنائها إلى المحطات المدارية، وأخيراً إطلاقها «مسبار الأمل» المصنوع بأيادٍ وعقولٍ إماراتية وعربية في رحلة علمية استكشافية إلى الكوكب الأحمر، المريخ.
وما بين مفترق الطرق ذاك، ومفترق الأفق هذا، فاصل زمني قصير، ولكنه شاسعٌ في مداه الثقافي والعلمي. فهو يرتكز في جوهره على الأسس التي قامت عليها دولة الاتحاد في البناء والتطوير واستشراف المستقبل، وعلى حلمٍ تمنّاه المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، حين التقى في العام 1976 بوفد من وكالة «ناسا»، وعلى منهج حكومة ظلت تنحاز دائماً إلى العلم، تأخذ بمنجزاته، وتمكّن شبابها منه.
إنها رحلة الذهاب إلى المستقبل تبدأ الآن، إنها إعلاء كلمة العلم أمام كلمة الجهل، إنها التأسيس الحقيقي للثقافة التي تقوم على العقل والنظرية وحب الاكتشاف وصناعة التغيير، أمام ثقافة الجمود وتغييب المنطق واللجوء إلى الخرافة والوهم. لذلك فإن مسبار الأمل ليس مجرد رحلة لاختراق الفضاء، وإنما هو في العمق يشكل اختراقاً لأفق التخلّف، وفتحاً لاكتشاف علاقة الإنسان بنفسه، وبالعالم من حوله. هذا هو المكسب العميق من وراء هذه المهمة، ونقيضها بالطبع هو التقوقع في الماضي، والانكفاء على الذات، والدخول في صراع مع العالم.
ينشغلُ شباب الإمارات بصناعة الأحلام المستحيلة وتحقيقها يداً بيد مع الحكومة، بينما تنطفئ أحلام الشباب في دول كثيرة، وتُغيّبُ عقولهم في أفكار الفتنة والإرهاب. وإذا كان هناك من ضوء في سماء العرب اليوم، فإنه يسطع من أفق وفضاء الإمارات، ويبرقُ على شكل رحلاتٍ ستظل مستمرة نحو اكتشاف حقيقة الكون والإسهام، يداً بيد مع البشرية كلها، في جعل العالم واحة محبة وصداقة. وهذا لن يتم إلا بالولوج في صناعة ثقافة المستقبل، وجعلها متاحة للأجيال منذ نعومة أظفارهم.
ليس مستغرباً اليوم أن نرى طفلاً إماراتياً يلهو بدمية أو لعبة على شكل مكوك فضاء. هذا الطفل الذي يرضع من هذا التوجه العلمي والثقافي هو الذي تستثمر فيه الدولة، وتطلق مسبار الأمل من أجله، ومن أجل كل أجيال العرب القادمة. إننا حقاً أمام مفترق أفق.