يحتلُّ الأمن الغذائي وضمان توفير جميع الاحتياجات اللازمة من المنتجات الغذائية في كل الظروف، موقعاً متقدِّماً ضمن أولويات القيادة الرشيدة في دولة الإمارات العربية المتحدة، وهو ما ينعكس في سياسات وخطط متكاملة لدعم القطاع الزراعي وتطويره وترسيخ أسس استدامته. ولقد أكدت أزمة جائحة فيروس كورونا المستجد «كوفيد-19» بُعد النظر الذي اتسمت به مقاربة الدولة لملف الأمن الغذائي؛ حيث استعدّت قبل وقت طويل لمواجهة أصعب الظروف المحتملة بشأنه؛ فقد أطلق مجلس الوزراء في نوفمبر 2018 «الاستراتيجية الوطنية للأمن الغذائي» من أجل «تطوير منظومة وطنية شاملة تقوم على أسس تمكين إنتاج الغذاء المستدام، وتُحدّد عناصر سلة الغذاء الوطنية». وتعمل الاستراتيجية على أن تكون الدولة ضمن الدول العشر الأفضل عالمياً في مؤشر الأمن الغذائي العالمي عام 2021، وأن تحتلَّ المركز الأول عالمياً عام 2051. 
وفي هذا الإطار، جاء أول التصريحات التي أدلى بها معالي الدكتور عبدالله بلحيف النعيمي وزير التغير المناخي والبيئة، عقب توليه منصبه، وأكد فيها حرص الوزارة على مواصلة تأمين الاستدامة الزراعية، وتحفيز المزارعين، وتقديم الدعم لهم عن طريق توفير المستلزمات الزراعية بنصف تكلفتها السعرية، إلى جانب توفير منظومة واسعة ومتعددة القنوات لعمليات الإرشاد الزراعي، بهدف تطوير القدرات والمهارات، والتوعية بالنظم الحديثة والمستدامة، وتعزيز استخدامات التكنولوجيا الحديثة.
وتكشف القراءة التحليلية لتصريحات وزير التغير المناخي والبيئة عن حضور مهم للتكنولوجيا الحديثة في قطاع الزراعة والأمن الغذائي، تبدو مظاهره في «مشروع المنصة الوطنية للاستدامة الزراعية»، الذي تقود فيه الوزارة جهود ست عشرة جهة حكومية يتصل عملها بالقطاع الزراعي؛ إذ يتضمن المشروع توفير إطار عمل شامل لتعزيز الربط الرقمي بين مختلف الجهات الحكومية المعنية بالقطاع الزراعي على مستوى دولة الإمارات، وإيجاد منصة رقمية وطنية متكاملة تخدم هذا القطاع وتُطوّره، وترقية البنية التحتية لأنظمة المعلومات الجغرافية المتعلقة بالقطاع الزراعي على مستوى الدولة، وتوفير صور بالأقمار الصناعية لبعض المناطق المختارة فيها، عبر التعاون مع وكالة محمد بن راشد للفضاء.
ومثل هذه الاستفادة من مُنجزات الثورة التقنية والمعرفية أثبتت قدرتَها على حل كثير من المشكلات المرتبطة بطبيعة التربة والمناخ وشح المياه، وهو ما عملت عليه دولة الإمارات منذ وقت طويل. وقد أكَّد صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، حفظه الله، هذا العنصر الرئيسي في كثير من لقاءاته؛ حيث أشار سموه خلال زيارة للمزارع النموذجية لعدد من شباب الوطن بمنطقة الباهية، في الرابع من يوليو الجاري، إلى «أهمية توظيف التكنولوجيا الحديثة في القطاع الزراعي في الدولة وفق معايير الاستدامة والجودة والتنافسية، إضافةً إلى تطوير حلول مبتكرة لإنتاج الغذاء وإدارته، تكون قادرة على التغلب على التحديات في القطاع الزراعي».
وقد أظهرت الخطط الاستباقية لدولة الإمارات في مجال الأمن الغذائي أهميتها وفاعليتها خلال أزمة كورونا الأخيرة؛ ففي حين عانت بعض الدول شُحاً في بعض المواد الغذائية الضرورية، فإن الدولة كانت بمأمن من أيّ أثر سلبي، وهو ما أوضحه صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، حفظه الله، خلال محاضرة تحت عنوان «الأمن الغذائي في دولة الإمارات»، عُقدت في مجلس سموه في الخامس من مايو 2020؛ حيث قال: «برغم التحديات التي يواجهها العالم أجمع - ونحن جزء منه - فإن سلسلة الإمداد الغذائي في دولة الإمارات خلال هذه الظروف، بإذن الله تعالى، لم ولن تتأثر، سواء كان في الإنتاج المحلي أو المخزون الاستراتيجي أو عبر الاستيراد من الخارج». ومن المؤكد أن الأمن الغذائي المُستدام يمثل أحد المجالات التي تحقق فيها الدولة نجاحات واعدة، تجعل من تجربتها فيها نموذجاً ملهماً للتغلب على العوائق والتحديات.