منذ سنوات، حرص عبدالله النفيسي على إظهار إعجابه الشخصي بأردوغان، وأخيراً، امتدح «حنكته» في تحويل متحف آيا صوفيا الذي كان كاتدرائية إلى مسجد، ولن نستغرب إذا رأيناه قريباً في ليبيا يسهب في مديح المرتزقة الذين جلبهم السلطان العثماني، لتقويض أمن هذا البلد، وسرقة ثرواته. ألم يصف النفيسي إرهابيي «القاعدة» بأنهم «أشرف الناس»!
هذه ليست مجرد «شطحات» مغرية للمتطرفين والإرهابيين والذئاب المنفردة، والإعلام الشعبوي. فأستاذ العلوم السياسية، الذي تخلى عن أبسط مبادئ «النزاهة الأكاديمية»، قرر منذ سنوات عدة الانحياز إلى مشروع الإرهاب في العالم كله، والبحث عن المسوغات والخلفيات التاريخية، لكل سلوك شاذ، لإرهاب الأشخاص، والدول كذلك.
دائماً، ما نجد لدى النفيسي «فتوى سياسية»، تشكل غطاء لكل انحرافات الجماعات الإرهابية، على غرار الفتاوى التي تتفتق عنها أذهان دعاة التطرف، والواقع أن لا حدود بين هذين النوعين من الفتاوى، حينما يصدران من ذهنية مرَضية واحدة، هاجسها استغلال المشاعر الدينية الشعبية، واللعب على التناقض، وتزييف التاريخ، وزج الدين الحنيف في مشاريع التطرف والهيمنة.
لم يستفد النفيسي من خلفيته الأكاديمية في البحث والتحليل والمقاربة، لأن ذلك يتطلب شروطاً تتناقض مع سعيه المحموم إلى معاندة الواقع والتاريخ ومصالح العرب والمسلمين، ولم يعثر على مفردات خطاب دقيق ومتوازن ومقنع، يؤكد أنه يحمل الدكتوراه في العلوم السياسية. على العكس تماماً، فقد حوّل أكاديميته إلى واجهة للتطرف، ويحرص على أن يكون منتجاً لمزيد من تعبيراته.
في العام 2015، حينما كان تنظيم «داعش»، يسيطر على الموصل العراقية، ويذبح ناسها، ويهدم حضارتها، خرج عبدالله النفيسي في مقابلة تلفزيونية، يعرب فيها عن استعداده لمبايعة «داعش». قالها بوضوح وصلافة، ولم يكن معنياً بآلاف الضحايا من المسلمين، سنة وشيعة، ومن المسيحيين، ولا بالنهب والسبي وتجارة الرقيق.
لم يشر في المقابلة إلى أن هناك استقطاباً مذهبياً في العراق، ولم يذهب إلى تحليله، وقراءة أبعاده، وتبني موقف عقلاني نزيه، فقد اختصر «العلوم السياسية» التي درسها، بعدم ممانعته مبايعة «داعش» على قتل العراقيين والسوريين، وتفجير دور العبادة، والموقف نفسه في شأن «أيا صوفيا»، وفي «نصرة» أردوغان ونزعاته الإمبراطورية.
سياق النفيسي لا يمكن اجتزاؤه، كما يدعي دائماً، فهو أكثر سياق مكتمل للتطرف خطاباً وسلوكاً وانحيازاً للإرهاب والجريمة.