يمثل يوم السابع عشر من يوليو 2020، يوماً استثنائياً في دولة الإمارات العربية المتحدة، حيث سينطلق «مسبار الأمل» من مركز «تانيغاشيما الفضائي» باليابان، في رحلة إلى مدار كوكب المريخ، وأطلقت معه الإمارات مرحلة جديدة في مسيرة تطورها العلمي، عنوانها التفوق والريادة بمعايير عالمية.
إن انطلاق «مسبار الأمل» المرتقب منتصف ليل غد الخميس يمثل إنجازاً نوعياً جديداً، تدخل به دولة الإمارات عالم الكبار في عالم الفضاء، فإذا كانت التجارب العالمية في مجال استكشاف الفضاء، تشير إلى أن الدول المتقدمة لم تصل للفضاء إلا بعد مسيرة من التطور العلمي التقني، والنهضة الشاملة في مختلف المجالات، فإن الإمارات تؤكد الآن أنها واحدة من هذه الدول المتقدمة، والقوى الكبرى في هذا المجال الحيوي الدقيق، وأنها لم تصل إلى هذه المرحلة إلا نتيجة استثمارها منذ سنوات في التعليم العصري، وبناء قاعدة من الكوادر المواطنة المؤهلة في التخصصات النوعية التي تخدم مجال الفضاء، وامتلاك أدواته المعرفية والفنية والتقنية. 
ليس من قبيل المبالغة القول في هذا السياق: إن «مسبار الأمل» هو تجسيد لقصة نجاح الإمارات، منذ نشأتها في بداية سبعينيات القرن الماضي، على يد المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، الذي كان يمتلك رؤية طموحة لدولة الاتحاد الفتية، في أن تكون يوماً من الدول المتقدمة في كل المجالات، ومن بينها مجال استكشاف الفضاء.
«مسبار الأمل» يؤكد أن دولة الإمارات قادرة على تحدي الصعاب وقهر المستحيل، وتحويل الأحلام إلى واقع، لأن الله وهبها قيادة رشيدة تفجر طاقات الإبداع لدى شباب الوطن، وتحفزهم على مواصلة التميز والتفوق والريادة بالمعايير العالمية، حتى باتت اليوم أيقونة للنجاح، ومصدر إلهام للدول التي تسعى إلى التطور والتقدم، فـ «مسبار الأمل» الذي تقوده كفاءات إماراتية شابة، يؤكد أن استثمار الإمارات في الثروة البشرية على مدار العقود الماضية، كان أفضل استثمار في صناعة المستقبل، وها هي تجني اليوم ثمرة ذلك، فلديها قاعدة كبيرة من الخبرات المواطنة في مجال تكنولوجيا الفضاء، وتطوير المعرفة والأبحاث العلمية والتطبيقات الفضائية والقادرة على قيادة مشروع الفضاء الإماراتي لمرحلة متقدمة، وتعزيز مكانة الإمارات في هذا المجال الحيوي على الصعيد العالمي.
«مسبار الأمل» يجسد في دلالاته أيضاً ديناميكية تجربة التنمية والتطور في الإمارات التي تنطلق دوماً إلى الأمام بطموحات جديدة وأهداف عظيمة، فما حققته من نجاحات في مجال الفضاء، وما تسعى إلى إنجازه في المستقبل لم يأتِ من فراغ، وإنما هو نتيجة التخطيط الجيد للمستقبل، فقد دخلت بشكل رسمي السباق العالمي لاستكشاف الفضاء الخارجي، بإنشاء وكالة الإمارات للفضاء عام 2014، وعملت في أعقاب ذلك على تطوير البنية التحتية والتقنية في مجال الفضاء، وتوجت ذلك بدخول عصر التصنيع الفضائي الكامل بإطلاق «خليفة سات» عام 2018، وها هي تستعد لإطلاق مسبار الأمل إلى كوكب المريخ، أول مسبار عربي وإسلامي، لتكون بذلك واحدة من بين تسع دول فقط تطمح لاستكشاف هذا الكوكب، ولا يتوقف طموحها عند هذا الحد، بل تسعى إلى إيصال البشر إلى الكوكب الأحمر خلال العقود المقبلة، من خلال مشروع (المريخ 2117) الذي يتضمن برنامجاً وطنياً لإعداد كوادر علمية بحثية تخصصية إماراتية في مجال استكشاف المريخ، من أجل بناء أول مستوطنة بشرية على الكوكب الأحمر.
إن انطلاق «مسبار الأمل» في رحلته إلى كوكب المريخ، يؤسس لمرحلة مهمة تقود خلالها الإمارات العرب والمسلمين في مجال الفضاء، والإسهام في التطور الحضاري والعلمي العالمي، ودعم الجهود الإنسانية لبلوغ أهدافها الكبرى في اكتشاف الفضاء، وتعظيم مردوداته في خدمة البشرية، في الوقت ذاته، فإن الإمارات تبعث من خلال «مسبار الأمل» رسالة أمل وتفاؤل للشباب العربي، بأنه يستطيع المشاركة بفاعلية في مسيرة التقدم العلمي والمعرفي، متى توافرت له البيئة الداعمة والمحفزة لإطلاق طاقاته وإبداعاته في مختلف المجالات، ورسالة ثقة إلى الدول العربية، بأن بمقدورها الانخراط في صناعة الفضاء إذا عملت على امتلاك أسباب القوة وعوامل النهوض، من استثمار في بناء الإنسان باعتباره الثروة الحقيقية، وتطوير منظومة عصرية من التعليم والبحث العلمي، قادرة على استيعاب كل ما هو جديد في مجال العلوم والتكنولوجيا، والأهم امتلاك الإرادة القوية التي تتحدى المستحيل وتصنع المعجزات.