يقول عالم الاجتماع ابن خلدون، إن «الناس في السكينة سواء، فإن جاءت المحن، تباينوا». وفعلاً، قد أثبتت المرأة تباينها واختلافها وتميزها وتفوقها في كافة مهامها الموكلة، وبتخطي «حواجز ضغط» وجدت نفسها تقف في منتصفها، دون مقدمات.
لقد قربت مجريات جائحة (Covid -19) الصورة أكثر للمهام الحساسة والمحورية التي تقوم بها المرأة أينما حلت، إذ تظل المرأة الكفة الراجحة في مقياس الدفع بنهضة البلدان، انطلاقاً من مجتمعها المقرب «العائلة»، وحتى المجتمع الكبير الذي ترسم ملامحه بيدها الحنونة المعطاءة دون تردد، وبحسب تقرير قريب لهيئة الأمم المتحدة، فإن النساء شكلن نسبة 70% ممن يعملون في القطاع الصحي والاجتماعي، ليقمن بثلاثة أضعاف أعمال الرعاية غير مدفوعة الأجر في المنزل، مقارنة بالرجال! 
وليس القطاع الصحي وحسب، فالمرأة استحقت مشاركة الطواقم الطبية، والقوى الأمنية لقب «خط الدفاع الأول». فهي لم تمثل جزءاً من كيان المجتمع فقط، بل عملت على رعاية وخدمة وحماية النصف الآخر من المجتمع، مبعدةً كافة احتمالات الراحة لنفسها، سعياً في تقريب يد العون، والتفوق في أداء المهام كأم، وموظفة، وزوجة، وصاحبة قرار، ودون التردد في استنفاد كامل قواها، رغم ما أحيط بها أيضاً من تهديد بالإصابة بالفيروس، وخفض مستوى مناعتها بسبب الإرهاق المتراكم، واحتياجاتها النفسية والجسدية وغيرها، والتي شهدت في سياقها المديرة التنفيذية لهيئة الأمم المتحدة للمرأة، «فومزيلي ملامبو» بقولها: «إن ذلك يضع النساء تحت ضغط كبير، فغالبية من يعملون في القطاع الصحي من النساء، مما يعرضهن لخطر أكبر. معظمهن أمهات ومقدمات الرعاية لأفراد الأسر، فهن يواصلن تحمل عبء الرعاية، الذي هو في الأوقات العادية مرتفع بشكل غير متناسب». 
ونتاجاً لذلك، فمن المفترض والمرجو أن يكون العالم، بمجتمعاته الكبيرة، قد قطع شوطاً طويلاً في إدراك ما للمرأة من مركزية في الإضافة النوعية، ففي هذه المجتمعات ساهمت المرأة أساساً في الإنجازات ورقي الثقافات. أما في مجتمعات استثناء المرأة وتخصيص حدود مقفلة «صدأة» وإلصاقها بدورها وكينونتها، فلا تزال تحوم أفكار مجتمعاتها حول دائرة مفرغة. وهذا المقال لا يلمح، أو يطالب على استحياء، بما للمرأة من حقوق، بل يؤكدها، ويذكر بها، ويقدمها ضمن أولى الأولويات، رداً لجميل النساء اللواتي قدمن صون الإنسان على التفكير بالعواقب!
وفي سياق أداء المرأة في ظل الأزمات عامةً، وجائحة (Covid -19) خاصةً، فإنها الحلقة الأقوى في الحفاظ على التوازن العائلي، خلال فترتي الحظر والحجر، وقيامها بمهام «عسكري أو ضابط» الإجراءات الاحترازية لكافة أفراد أسرتها، و«طاهي» حريص على الإسناد بالقيمة الغذائية اللازمة المدعمة بفيتامين «C»، و«معلم» متقن لأساليب التدريس وأدوات التكنولوجية لاستمرار العملية التعليمية، ومساعدة أفراد المجتمع لمواجهة الآثار النفسية والاجتماعية الناجمة عن تفشي كورونا. يبقى «عتب قاسي» على كافة أفراد المجتمع وجهاته المسؤولة لرعاية ما تجد الجندية الشجاعة والمهمشة في ذات الوقت، من تزايد الإساءات الموجهة لها، سواء كانت صورة نمطية، أو استهانة بقدراتها، أو تفويت الفرص عليها، وقلة تمثيلها في منصات صنع القرار، أو الاستمرار بالعنف الأسري الذي يؤرقها في العديد من الدول، فالمرأة اليوم أحوج ما تكون منزوعة اللجام، لا منزوعة الحقوق. 
ومن ذلك، فلا فرصة لإبعاد المرأة عن الساحة الرئيسة في كافة القطاعات، كصانع للقرارات وشريك ابتكار وإبداع مستمر في تقدمه، سواء أكان ذلك خلال الأزمات، أو بعدها. فالمرأة أسمى الرسائل والمنح الإلهية التي وجدت في المجتمعات لصون أمن واستقرار الأوطان، وري غرس صالح يكمل رسالتها في المستقبل. 
فلكل النساء حول العالم، وباختلاف المواقع والمناصب «شكراً لوجودكن».
*أمين عام المجلس العالمي للمجتمعات المسلمة