الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الترفيه

«جاليليو».. جدل عمره 400 عام

«جاليليو».. جدل عمره 400 عام
11 يوليو 2020 00:20

ستيفن إم بار*

في كتابه «جاليليو ومنكرو العلم»، يرى عالم الفيزياء الأميركي «ماريو ليفيو»، أن «مسألة جاليليو» تستمر في الاستفزاز وإثارة الاهتمام بعد 400 عام، فقد كانت، بطريقة ما، بسيطة ومعقدة على حد سواء، ما كان بسيطاً هو نتيجتها: فقد حوكم مؤسس العلم الحديث العظيم، وأدين وحُكم عليه عام 1633 بالإقامة الجبرية في منزله مدى الحياة من قبل الكنيسة الكاثوليكية، لدفاعه عن فكرة أن الأرض تدور حول الشمس، وأُجبِرَ على التراجع بعد حلف اليمين، هذه الجريمة ضد حرية الفكر والبحث والضمير، لا يمكن أن تتوقف عن إحداث صدمة.

السؤال المعقد هو: كيف ولماذا حدث هذا؟ لم يكن الأمر حتمياً، فقد حذر القديس أوجستين ببلاغة، في القرن الرابع الميلادي، من تفسير نص مقدس، على عكس ما هو معروف على وجه اليقين بالعقل والتجربة، وكان هذا مبدأ راسخاً، قبله الكاردينال بيلارمين، كبير علماء اللاهوت في الكنيسة، الذي اعترف، في رسالة شهيرة لأحد أصدقاء جاليليو، بأنه «إذا كان هناك إثبات على أن الأرض تدور حول الشمس فعلينا إذن الاستمرار بحذر شديد في تفسير النصوص المقدسة التي تبدو متناقضة، وأن نقول بدلاً من ذلك، إننا لا نفهمها، وأن ما يتم إثباته خطأ».
تضمنت مسألة «جاليليو» تفاعلاً معقداً بين الأفكار العلمية القديمة والحديثة، والتفسير الكتابي، والمواقف اللاهوتية والفلسفية الراسخة والمعارك الفكرية المألوفة، والتنافسات الأكاديمية والشخصيات المعيبة، وصراعات الشخصية، والسياسة الكنسية والعلمانية، وكلها تتكشف على مدى عقدين في جو محموم من الصراع بين الإصلاح والإصلاح المضاد وحرب الثلاثين عاماً، وهناك عدد قليل من الحلقات التاريخية المحفوفة بشكل أكبر بالدهاء والمفارقات والغموض، وتوضيح ذلك بشكل صحيح، يتطلب نطاقاً غير عادي من المعرفة ومواهب راوي قصص عظيم، ولحسن الحظ، فقد تأهب «ماريو ليفيو» بالكامل لهذه المهمة، في كتابه «جاليليو: ومنكرو العلم»، لا يظهر إتقانه فقط للعلم، وهو أمر متوقع من عالم فيزيائي بارع، ولكن أيضاً إتقانه للسياق الثقافي والتاريخي مثير للإعجاب. والأكثر إثارة للإعجاب، نظراً لأنه ليس كاثوليكياً، هو فهمه المعقد نسبياً لبعض الحجج والقضايا اللاهوتية.

ولنأخذ مثالاً واحداً، فقد حدد - بدقة - الخطأ الحاسم للغاية لتفسير الكاردينال «بيلارمين» الكاسح لقاعدة وضعها مجلس «ترينت» للتعامل مع تحدي البروتستانتية، فقد حظرت هذه القاعدة تفسير المقاطع الكتابية بطريقة تتعارض مع إجماع آباء الكنيسة الأوائل بشأن «مسائل تتعلق بالإيمان والأخلاق»، وجادل جاليليو بشكل منطقي للغاية؛ لأن علم الفلك لا يتعلق بالإيمان أو الأخلاق، فلا يلزم اتباع القراءات الحرفية للآباء الأوائل لبعض الفقرات (المفهومة في أيامهم)، ولكن «بيلارمين» رفض ذلك، مستخدماً حجة دائرية، فقد افترض ببساطة أكثر تفسير حرفي لتلك المقاطع، والذي ينطوي بشكل منطقي، على أن المفاهيم الفلكية المتضمنة فيها تم تدريسها بشكل رسمي من خلال الكتاب المقدس، وبالتالي فإنها «مسائل تتعلق بالعقيدة»، وهذا بدوره يتطلب (بموجب مرسوم ترينت)، أن يتبع المرء الآباء في تفسيرها حرفياً، ويصف «لافيو» بشكل صحيح خطأ بيلارمين بأنه «قنبلة» لاهوتية، فنوع التفسير الحرفي الذي فرضه، لم يكن قاعدة الكنيسة من قبل، ولن يكون كذلك لاحقاً.
وحتى مع ذلك، فإن إثبات حركة الأرض أجبر على قراءة أقل حرفية، كما اعترف «بيلارمين»، ولسوء الحظ، لم تكن مثل هذه الأدلة متوفرة في ذلك الوقت، لكن جاليليو كان لديه دليل من اكتشافاته التلسكوبية، على أن نظرية مركز الأرض لبطليموس، والتي يبلغ عمرها 15 قرناً، كانت خاطئة، وسرعان ما تم تأكيد هذه الاكتشافات من قبل علماء الفلك أمثال «كوليجيو رومانو» وآخرين، وتم التخلي عن النظرية البطلمية بنفس السرعة، لكن النتائج التي توصل إليها جاليليو، لم تكن كافية لإثبات صحة نظرية كوبرنيكوس، أو أن الأرض كانت تتحرك، حيث كانت هناك نظرية ثالثة جديرة بالاحترام تماماً، اقترحها قبل سنوات الفلكي الدنماركي العظيم «تايكو براهي».
في نموذج «تايكو»، تدور الكواكب حول الشمس، لكن الشمس تدور حول الأرض الثابتة. وكان هذا النموذج متسقاً تماماً مع جميع الملاحظات في ذلك الوقت، فهو لم يتجنب فقط قضايا كتابية، بل أيضاً اعتراضاً علمياً كبيراً على نظرية كوبرنيكوس، أي الفشل في رؤية «المنظور النجمي» (الحركات الظاهرة الطفيفة للنجوم البعيدة التي قد تكون ناجمة عن نقطة تحول الأرض أثناء دورانها حول الشمس)، ولم يُلاحظ هذا التأثير حتى عام 1838. واستمر الجدل العلمي بين المدافعين عن نماذج «كوبرنيكوس» و«تايكو براهي» لفترة طويلة بعد وفاة «جاليليو»، وشمل حُججاً علمية معقدة من كلا الجانبين، ولم يتم التوصل إلى إجماع علمي واضح، على أن الأرض تتحرك، إلا عندما اكتشف إسحاق نيوتن قوانين الجاذبية والحركة في أواخر القرن الـ 17.
بالقرب من نهاية كتابه، وفي العديد من الفقرات المقتبسة، يرسم ليفيو أوجه تشابه بين معارضي جاليليو و«منكري العلم» المعاصرين، ويقصد بهم الأصوليين المناهضين للتطور والمتشككين في الاحتباس الحراري، لكن أوجه الشبه هذه ضعيفة إلى حد ما، فلا أحد حوكم وعوقب لدفاعه عن أفكار التطور أو الاحترار العالمي، أو أُجبِرَ على التراجع عنها.
........................................
*أستاذ فخري لفيزياء الجسيمات النظرية في جامعة ديلاور ورئيس جمعية العلماء الكاثوليك.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©