الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الترفيه

«نعيمة المصرية».. ملكة الإسطوانات

«نعيمة المصرية».. ملكة الإسطوانات
11 يوليو 2020 00:20

محمد الجداوي (أبوظبي)

هي واحدة من مطربات الزمن الجميل، يردد الكثيرون أغانيها من دون أن يعرفونها، ورغم إنها كانت من أبرز المطربات اللاتي تألقن خلال السنوات الأولى من القرن العشرين إلا أنها اعتزلت الغناء مبكراً وعمرها 43 عاماً لأسباب كثيرة، منها ظهور الإذاعة المصرية، وقيل بسبب زواج ابنتها من شاب من عائلة أرستقراطية اشترط عليها اعتزال الغناء لإتمام الزيجة، كذلك ظهور أم كلثوم «كوكب الشرق» أثر عليها كثيراً، وعلى الرغم من أنها عاشت حتى عام 1976 ولحقت زمن التلفزيون، ولم يفكر أحد في تسجيل أي حوار معها، ولم تجد أيضاً من وثق حياتها في لقاءات إذاعية أو صحفية.

لقبت نعيمة بـ «ملكة الإسطوانات»، وكان الكل يتسابق للتلحين لها من أساطين ذلك الزمان، مثل داوود حسني وزكريا أحمد ومحمد القصبجي.. حكاية «نعيمة المصرية مع الطرب» وبداياتها وأشهر أغانيها قصة تستحق أن تروى ليتعرف الجيل الجديد على تجربة فريدة لفنانة حققت نجاحاً لا تزال له أصداؤه حتى الآن.

تمرد وطلاق
يروي عمرو علي بركات في كتابه، صفحات نادرة من تاريخ العوالم «سيدات الطرب والغناء.. من أيام المماليك حتى أوائل القرن الماضي»، والصادر عن مركز الهلال للتراث الصحفي، قصة المطربة نعيمة المصرية، قائلاً: الست «نعيمة المصرية» اسمها الحقيقي «زينب محمد إدريس»، ولدت عام 1894م، بالقاهرة حي المغربلين، تزوجت وهي صغيرة، وعاشت مع زوجها في بيت أسرتها، ولكنها تمردت على تلك الحياة بسبب حبها للغناء، بينما ذكرت حفيدتها الفنانة التشكيلية «هبة فريد» أنها من مواليد محافظة أسيوط بصعيد مصر، سنة 1894م لأب مغربي يعمل بالتجارة، وأمها ابنة لعائلة أسيوطية كبيرة من ملاك الأراضي، فقد تزوجت «نعيمة» حسب تقاليد الصعيد وقتها، وهي في سن الخامسة عشرة وأنجبت بعد عام واحد تقريباً، وبعد عام آخر طلقت لأسباب مجهولة، وهو ما أدى إلى تضييق أسرتها عليها في الحركة، كما تسبب كلام الناس حول الطلاق المبكر بالإساءة لسمعتها، فهربت إلى القاهرة وأطلقت على نفسها اسم «نعيمة المصرية».

الهروب من العائلة
الست «نعيمة» غيرت اسمها هرباً من عائلتها في الصعيد، بمساعدة جارتها السورية «عزيزة مظلوم»، وبدأت رحلتها في عالم الفن في العام 1911م، بالغناء في الأفراح والصالونات، وقد سجلت في أوراقها أنها ظهرت على المسرح للمرة الأولى عام 1911م في مصر، وغنّت الأغاني الهابطة المعتادة، فأثارت غضب عائلتها، ومنعتها من الغناء، لكن إصرارها على الدخول لعالم الفن جعلها تهرب مع جارتها «عزيزة» لحلب لشهرتها بتقديرها للفن والغناء، ووجود الجمهور الذي يقدر الأصوات الجميلة، والسميعة بها، فكانت البداية الحقيقية لنعيمة، خلال ثلاثة أعوام قضتها بحلب السورية، ولبنان، تعلمت خلالها الكثير من ملحني حلب، حيث اهتمت بها الست «رحلو جرادة»، وبعد إعلان الدستور العثماني «المشروطية» في العام 1908، والذي أعقبه افتتاح المسارح والصالات الفنية بعد أن كان الغناء مقتصراً على المقاهي فقط، قررت «رحلو» الذهاب إلى بغداد، حتى أنها هناك تنكرت من أصلها المصري، وأطلقت على نفسها لقب «نعيمة المغربية»، وعادت «نعيمة» إلى مصر في العام 1914م، وغنت الأغاني الهابطة المعتادة، حتى قابلت «سيد درويش» (1892 - 1923م) وتبنى موهبتها وعلمها غناء القصيدة والموال، ومنحها شرف تسجيل لحنه الشهير «يا بلح زغلول»، وهي واحدة من أشهر الأغاني السياسية وقتها، إذ كتبت خصيصاً للرد على الحظر المفروض من قبل الاحتلال البريطاني على اسم «سعد باشا زغلول».

هي وسيد درويش
وبعدها انطلقت الشائعات حول طبيعة علاقتها بالشيخ المشهور بغرامياته مع العوالم، غير أنها أكدت أن العلاقة لم تتعد حدود الأستاذ وتلميذته، إذ علمها الشيخ «سيد» عزف العود، كما لم يمانع في أن يعزف لها ألحاناً على المسرح، وقد غنت له «إن كنت شاريني ما تتقلش»، و«معلوم يا هانم»، و«قوم يا حبيبي بقينا الصبح»، و«والنبي لايس وياك يا غزال»، و«يا بو الشريط الأحمر»، كما غنت كغيرها من المطربين كثيراً من ألحانه الأخرى، مثل «أدوار أنا عشقت»، و«أنا هويت»، و«ضيعت مستقبل حياتي»، وطقاطيق، مثل: «البحر بيضحك ليه»، و«يا حليوة يا بلح»، و«كيكي يا كيككو»، و«يا أمي ليه تبكي عليّ وأنا مسافر الجهادية»، حتى حققت شهرة واسعة في شوارع عماد الدين، وروض الفرج وفي مدينة المنصورة، فدفعتها شهرتها لإنشاء مسرحها الخاص بشارع عماد الدين عام 1922م، والذي عُرف باسم «الهامبرا»، ولقبت بـ «ملكة الإسطوانات»، لأنها سجلت أكثر من 150 إسطوانة، كان أولها من ألحان الشيخ «سيد درويش»، وبعد رحيله غنت من ألحان «محمد القصبجي» (1892 - 1966م).

كوكب الشرق
وتذكر د. «رتيبة الحفني» (1931 - 2013م) في كتابها «محمد القصبجي الموسيقي العاشق»، أنها أدت من ألحان القصبجي أكثر من طقطوقة، منها: «م السنة للسنة يا حلو لما أنظرك»، و«غالي والطلب رخيص»، و«أنا عندي أمل تنسى اللي حصل»، و«آه يانا طال الجفا»، و«أهلاً وسهلاً شرفتي إمتى؟».
وتؤكد رواية «الست نعيمة» أن «القصبجي» لحن لها خصيصاً طقطوقة «قال حلف ما يكلمنيش»، وما أن سمعتها «أم كلثوم» كوكب الشرق، حتى قررت أن تسجلها في إسطوانة دون موافقة ملحنها، ومغنيتها، أو حتى معرفته، وهو ما دفع «القصبجي» للبحث عن تلك المطربة التي سطت على لحنه؟ وهنا تعرَّف إلى كوكب الشرق التي نجحت سريعاً في احتوائه ليصبح واحداً من أهم ملحنيها، ومؤسس فرقتها وعازف العود بها حتى وفاته، وهذا خلافاً لما تردد عن رواية «أم كلثوم» عن لقائها الأول بالموسيقار «محمد القصبجي»، والتي تقول: «إن قصب سمعها للمرة الأولى عام 1923م تغني في مسرح تياترو «بايلوت باسك»، وكانت حينذاك ترتدي العقال، وتنشد قصائد في مدح الرسول، وأعجب القصبجي بها فقدّم لها، من خلال شركة أوديون، طقطوقة «قال حلف ما يكلمنيش».

داوود حسني
كما غنت «الست نعيمة» من ألحان «داوود حسني» (1870 - 1937)، و«زكريا أحمد» (1896 - 1961م)، والذي لحن لها عدداً من أهم أغانيها نذكر منها: «البوسطجي»، و«تعالى يا شاطر، نروح القناطر، هات الإزازة واقعد لاعبني، دي المزة طازة، والحال عاجبني، وبعد ظهور الإذاعة، قلَّ الإقبال الجماهيري على المسارح، فأغلقت «نعيمة» مسرح «الهامبرا»، واكتفت بالغناء في الحفلات الخاصة، وتذكر «الست نعيمة» أن ابنتها الوحيدة «عزيزة» ارتبطت بشاب من عائلة أرستقراطية» هو سبب امتناعها عن الغناء، غير أن المقربين منها أكدوا أن الصعود الكبير لجيل كوكب الشرق «أم كلثوم»، وغروب جيل الست «منيرة المهدية» كانا السببين الرئيسين للاعتزال، وقد تركت وراءها ألبوماً من الصور يظهرها وهي تقرأ القرآن على شاطئ رأس البر عام 1960م، واعتزلت في العام 1937م، بعد مشوار فني استمر لأكثر من 26 عاماً، ورحلت عن عالمنا عام 1976م عن عمر يناهز 82 عاماً.

مواكبة ثورة 1919
واكبت المطربة نعيمة المصرية ثورة 1919 التي قادها سعد باشا زغلول، وعبرت عن رغبة المصريين في الاستقلال، ولهذه المطربة وفقاً للناقد الفني طارق الشناوي : العديد من الأعمال الناجحة مع المؤلف بديع خيري والملحن الكبير سيد درويش، والغريب أنها عاشت حتى عام 1976 ولحقت زمن التلفزيون، ولم يفكر أحد في تسجيل أي حوار معها، ولن تجد أيضاً من وثق حياتها في لقاءات إذاعية أو صحفية، وهي آفة لا نزال نعاني منها حتى الآن، نتصور أن ما نقدره فقط في زماننا هو ما يستحق أن نلقى عليه الضوء، رغم أن الأمور نسبية جداً، وما هو مرفوض قبل 100 عام، ربما تجد فيه ما يستحق أن نعيد التفكير فيه مجدداً بزاوية مغايرة تماماً.

ثلاثية نجيب محفوظ
في كتابه «ليالي نجيب محفوظ في شبرد»، الجزء الثاني، يقول الكاتب إبراهيم عبدالعزيز في فقرة بعنوان نعيمة المصرية : «وحضرت هبة فريد المصرية التي تعيش في كندا، والتي جاءت في زيارة إلى القاهرة لجمع مادة مشروع نعيمة المصرية.. مطربة مصرية من 1911 - 1937م»، حيث تقوم بدور منسقة المشروع لحساب جامعة السوربون في فرنسا، فضلاً عن أن نعيمة هي أم جدتها، ومن أغاني نعيمة المصرية: تعالى يا شاطر نروح القناطر، وتذكر الأستاذ «نجيب محفوظ»: «كنّا حافظنها»، وكانت عيشة في ثلاثية نجيب محفوظ تدندن بأغنية «يابو الشريط الأحمر» لنعيمة المصرية، وهي تنظر إلى الضابط من المشربية».

المليجي غنى لها
كان الفنان الشهير محمود المليجي في بداياته، واحداً من هواة الطرب، ساعده حب والده للموسيقى والغناء إلى عشقه للفن والتمثيل، وتعرَّف على الكثير من الفن الجميل، حتى أن «المليجي»، في إحدى سهراته الخارجية للحفلات، غنّى أغاني المطربة «نعيمة المصرية»، وفي مقال نادر له بعنوان: «كدت أصبح مطرباً»، قال المليجي عن نعيمة المصرية: «اشتهرت في أوائل العشرينيات، كانت تحظى بمكانة كبيرة بين الملحنين، وتبنى الموسيقار سيد درويش، موهبتها وعلمها غناء القصيدة والموال، حيث قدمت أول إسطوانة لها من ألحانه، كما غنت معه أكثر من أغنية منها: «مين زيي».

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©