في الأيام الأولى لوباء كوفيد-19 في الولايات المتحدة، كانت أكثر الولايات تضرراً هي تلك الواقعة على المحيطين الأطلسي والهادئ وتركزت الإصابات في نيويورك وكونيكتيكيت ونيوجيرزي وواشنطن وكاليفورنيا. وكل هذه الولايات الخمس تُعتبر «زرقاء» لأن هيئاتها الحاكمة «ديمقراطية». 
هذه الولايات كانت الأولى التي طبّقت إجراءات إغلاق جذرية في محاولة لوقف انتشار الفيروس. وبالمقابل، كانت بعض الولايات الكبيرة في جنوب البلاد وغربها أكثر تساهلاً بخصوص إجراءات الإغلاق، جزئياً لأن عدد الإصابات التي كانت تسجلها كان منخفضاً إلى حد ما. وكانت تكساس وفلوريدا وجورجيا، وهي ثلاث ولايات يحكمها حكام جمهوريون، من بين أولى الولايات التي فتحت المطاعم والحانات والمتاجر والمرافق الترفيهية، بما في ذلك الشواطئ، أمام الاستخدام العام. وفي أبريل ومايو الماضيين، وصل آلاف الأشخاص إلى الشواطئ بدون أي كمامات وبدون احترام لقواعد التباعد الجسدي، وخاصة الشباب. 
وبحلول منتصف يونيو، أظهر انتشار الفيروس أنه إذا كانت نيويورك ونيوجيرزي قد تمكنتا من خفض عدد الحالات التي تحتاج للعلاج في المستشفى، فإن حالات الإصابة الجديدة في جنوب البلاد وغربها تتزايد بشكل تسارعي. وبحلول عيد الاستقلال في الرابع من يوليو، كان مسؤولو الصحة العامة يدعون إلى إجراءات طوارئ جديدة من أجل كبح انتشار الوباء في ولايات تكساس وفلوريدا وأريزونا، حيث بدأ عدد الحالات ينهك المنشآت الصحية ويشكّل ضغطاً عليها. وشمل ذلك حتى هيوستن، رابع أكبر مدينة في الولايات المتحدة والمدينة التي تحتضن أكبر مجمع طبي في العالم، وهو «مركز تكساس الطبي». 
وخلافاً لأوروبا التي تم فيها احتواء الوباء في الوقت الراهن، وحيث بدأت المرافق تفتح من أجل التبضع والتسلية من جديد، ما زالت الولايات المتحدة هي الأولى عالمياً من حيث عدد الحالات المؤكدة (مليونان و900 ألف) وعدد الوفيات (130 ألفاً) جراء الفيروس. هذه الأرقام تزداد يومياً وتطرح تحدياً كبيراً على الرئيس دونالد ترامب في وقت يسعى فيه للفوز بولاية رئاسية ثانية، وخاصة أن التفشي الجديد للفيروس سيشكّل ضغطاً إضافياً على الاقتصاد الضعيف أصلاً. 
وبالنظر إلى سلوك ترامب على مدى الشهر الماضي، فيبدو أنه تبنى مقاربتين أساسيتين لحملته الانتخابية. الأولى هي التقليل من شأن انتشار الفيروس والإشارة بشكل عام إلى أن البلاد لا يمكنها تحمل كلفة السماح بإغلاق آخر للاقتصاد. والثانية، والأكثر إثارة للقلق، هي أنه تمادى في اللعب على الانقسامات داخل المجتمع الأميركي وقرر التركيز على العرق والإثنية والمواضيع الثقافية المثيرة للجدل التي سُلّط عليها الضوء خلال الآونة الأخيرة في أعقاب جريمة قتل جورج فلويد والمظاهرات واسعة النطاق التي خرجت عبر أرجاء البلاد دعماً لحركة «حياة السود مهمة». 
وقد ألقى ترامب خطابين اثنين في يومي الثالث والرابع من يوليو في جبل ماونت رشمور وفي البيت الأبيض على التوالي، أبرز فيهما موضوعات حملته الانتخابية. لكن نبرة الخطاب كانت عدائية ومثيرة للانقسام. والحال أن كل الرؤساء الأميركيين الآخرين تقريباً كانوا يغتنمون مناسبة الرابع من يوليو للدعوة إلى الوحدة واستحضار أحداث الماضي التي تشدد على حاجة المجتمع الأميركي إلى العمل معاً من أجل بلوغ اتحاد أقوى، وكانت النبرة دائماً مفعمة بالأمل والتفاؤل، مهما كانت المشاكل التي يعاني منها المجتمع الأميركي. وبالمقابل، ركّز ترامب على التهديدات التي تواجه الأميركيين الممتثلين للقانون من مثيري الشغب اليساريين المتطرفين والمهاجرين غير الشرعيين الذين يرتكبون الجرائم ويسلبون الأميركيين وظائفهم. واصطف في صف من يرغبون في الإبقاء على التماثيل المثيرة للجدل في الأماكن العامة، ومعظمها لجنود الكونفدرالية وسياسييها. كما انتقد الجمعية الوطنية لسباق السيارات «ناسكار» لأنها سحبت علم الكونفدرالية من اجتماعاتها وحظرته، وتأسف لمحاولات الكثيرين إعادة تسمية فرق رياضية تحمل أسماء مثيرة للجدل مثل «واشنطن ريدسكنز» و«كليفلاند إنديانز». ومر مرور الكرام على موضوع الوباء الذي يفتك بالبلاد فتكاً وعلى الحاجة إلى زعامة فدرالية قوية لمعالجة الأزمة. 
أحدث استطلاعات الرأي تشير إلى أن عدداً متزايداً من الأشخاص الذين صوّتوا لصالح ترامب في 2016 من غير المحتمل أن يفعلوا ذلك في 2020، ومن أولئك المواطنون المسنون ونساء الضواحي البيض. وهكذا، ما فتئت قاعدة ترامب تتقلص، وإذا لم يستطع إعادة إلهاب الحماس الذي خلقه عندما فاز بالرئاسة وتوسيع قاعدته، فيمكن القول، إن حظوظه في إعادة الانتخاب ستتقلص كثيراً، في غياب مصيبة كبيرة تحل بخصمه جو بايدن.

*مدير البرامج الاستراتيجية في مركز «ناشيونال انترست»- واشنطن