هل تدرك الجماعات التي تقرن أسماء أحزاب وتنظيمات بلفظ الجلالة، أن الله ليس لجماعة دون غيرها؟! وأن حصر هذا الاسم بجماعة سياسية يكون بشكل ما مخالفاً للمفهوم الذي تُقدمه الأديان عن الله. فالاسم يدل على المسمى، فعندما تقول «حزب الله» يعني أن هذا الحزب «إلهي». هل قدرت هذه الجماعات أن الله، حسب ما قدمت لها الثَّقافة الدِّينية، بأنه خالق الكون، غير المحدود بحد، والأرض أصغر المخلوقات مِن بين الكواكب والنّجوم؟ّ
كيف تأتي جماعة وتُقدم نفسها أنها مختصة بالله، كحزب أو حركة أو كتائب «كتائب حزب الله»، دون غيرها؟ ألم يُفهم مِن ذلك أنها انتقاص مِن الدِّين نفسه، وتحايل مفضوح على النَّاس! هل يوافق الفقهاء، الذين يحسبون الصَّغائر على كُتاب وباحثين وإعلاميين، في الشأن الدِّيني، على أنهم كفرة، وقد جرت تصفيتهم بهذا السَّبب، بينما مَن يحصر اسم الله به ويحتكره ضد الآخرين، يتعاملون معه، على أنه إخلاص لله! فعلى المؤسسات الدينية الإسلامية ومراجع التّقليد الالتفات لهذه الظاَّهرة، واتخاذ الموقف منها.
لم يقترن لفظ الجلالة بخليفة مِن الرَّاشدين ولا الأمويين، ولا العباسيين الأوائل حتى المعتصم بالله (ت227 هجرية) ومَن أتى مِن بعده، اقترن اللفظ بألقابهم كاستعانة، وكذلك فعل الفاطميون بمصر والأمويون بالأندلس، لكن لم تتجرأ جماعة على الاقتران باسم الله إلا بظهور الحزبية السِّياسية، مع التّذكير حصل قبل الإسلام، عندما ادعت قريش أنها «أهل الله»، بعد فشل الحملة الحبشية على الكعبة (الأَزرقي، أخبار مكة).
يغلب على الظَّن أن أول حزب تجرأ ليسمي نفسه «حزب الله»، بلقاء عقيدة «الإخوان» والفكر الزيدي السياسي في شخص محمد محمود الزّبيري (اغتيل 1965)، بُعيد (1963)، مِن جماعة دينية وأخرى قبلية، وفق مشروع دولة إسلامية وتطبيق الشريعة (المسعودي، محمد الزبيري ومشروع حزب الله).
بعدها تأسس «حزب الله» التركي (1979)، لمواجهة حزب العمال الكردي، في ما بعد، وصار قريباً من تيار «الإخوان» بزعامة أردوغان وحزبه «العدالة والتنمية». نشأ بـ«طنان» من كردستان تركيا، ولأنه «حزب الله» وشعاره الإسلام ضد الكفر أطلق على حزب «العمال» الكردي التسمية المناقضة أي حزب «الشَّيطان»، انشق هذا الحزب إلى جماعتين (بوابة الحركات الإسلامية).
بعد «حزب الله» الإيراني، بعد الثورة، و«حزب الله» اللبناني، ظهر «حزب الله» الكردي، بزعامة محمد خالد البارزاني (ت 2015)، ودخل ضمن تكوينات «المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق». قيل إن مؤسس «حزب الله» في كردستان، ينتمي إلى الخورشيدية، نسبة إلى خورشيد (قُتل 1983) ابن أخت الشيخ أحمد البارزاني (ت 1969)، ضمن الطريقة الصوفية النقشبندية.
ظهرت خلال الحرب العراقية الإيرانية (1980- 1988)، تسميات عديدة، مرتبطة باسم الله، مثل فيلق ثأر الله، إضافة إلى تسميات تبادلها الطرفان في الحرب، لفيالق وهجمات.
غير أن أغرب تسمية، وذاع اتهامه مؤخراً بقتل المحتجين، هو حزب «ثأر الله» الإسلامي.
صحيح أن المتكلمين تجادلوا في مكان الله، وكلام الله وصفات الله، وإرادة الله (الأشعري، مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين). لكن لم يحصل أن قرنت جماعة نفسها باسم الله، أو ادعت أنها تُمثل الله دون غيرها، فاسم «حزب الله» يقابله حزب الشَّيطان، وما وردت في آيات القرآن عن ذلك لا يعني التنظيم الحزبي.. وتنزه الله أن يكون له ثأر، أو حزب.
أما المتنبي (اغتيل 354هجرية) إذا جعل ممدوحه سيف الدَّولة (ت 356هجرية) هو «حزب الله»، فعلى المجاز: «هنيئاً لأَهلِ الثَّغرِ رأيُكَ فيهمُ/ وأَنّكَ حِزبُ اللهِ صِرتَ لهُم حِزبا»(الدِّيوان، شرح أبي البقاء). إن المحنة يا سادة أن يُكذب على النَّاس بأقدس ما لديهم دينياً، وهو الله! فجعلوا لله كتائبَ وحزباً وثأراً وحركة، أمناؤها العامون قادة ميليشيات حفت بهم الشبهاتُ.