الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

رحيل ثاني السويدي.. «جفّ ريق الإبداع» وخبا ضوء في المشهد الثقافي المحلي

ثاني السويدي
5 يوليو 2020 21:17

مع رحيل الشاعر ثاني السويدي، يخفت ضوء آخر في الفضاء الثقافي المحلّي بالإمارات، والذي ظلّ ساطعاً ومتوهجاً في الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي، رحيل يؤكد مضامين وأبعاد عنوان أولى دواوين ثاني السويدي الشعرية وهو «ليجفّ ريق البحر» الذي أصدره العام 1994 الذي بشّر بصوته المختلف، الخاص جداً، والمتمرد والمشاكس والحادّ الذي كان يقطع المسافة الكثيفة بين المتخيّل والواقعي، وبين ما هو جامح وما هو مهادن، متكئاً على البصيرة المخترقة لقصيدة النثر في أفقها المحلّي الناشئ وفي مداها العربي والعالمي المتمازج مع صعود التيارات الفنية والتعبيرية المعاصرة، حاول السويدي حينها خلق صيغة للكتابة تجعل من السرد أرضاً تحتمل المخاضات المقلقة والشرسة للقصيدة الحديثة الفائضة بالهزّات والبروق والرؤى الضارية، فكتب روايته «الديزل» بكل عنفوان السرد وجسارة الشعر، مجتازاً السور العالي لـ (التابو الاجتماعي)، ومرتحلاً بنصّه وسط حقول الألغام الافتراضية، وكانت كتابة أشبه بالحراثة في السديم، وهي كتابة توضحّت ملامحها بقوة في ديوانه الشعري التالي الذي حمل عنوان: «الأشياء تمرّ» في العام 2000، مشكلاً بذلك خطّاً إبداعياً فائراً بالأسئلة والتأملات والمراجعات المؤلمة نوعاً ما للمحيط الإنساني والحيرة الوجودية التي ساهمت الطفرة الاجتماعية وزمن التحولات الجديدة في ظهور مجموعة من شعراء قصيدة النثر الإماراتيين، والتي كان ثاني السويدي أحد الأسماء اللامعة واللافتة ضمن نسيجها الإبداعي المستقلّ.
ولد ثاني السويدي بمنطقة المعيريض برأس الخيمة في العام 1966، وشكّلت البيئة الثقافية والاجتماعية التي ترعرع وسطها السويدي، منطلقاً للتكوين الثقافي والجمالي الذي تأصّل في دواخله، وكان له دور مهم بعد ذلك في ترجمة رؤاه الشخصية وانطباعاته الذاتية إلى نصوص لصيقة بروح المكان والنظر إلى هذا المكان بالذات من منصة التأمل والمعاينة والنبش والتحليل، شعرياً وسردياً، ومن خلال لغة جريئة وعفوية وحارقة، وكانت رواية الديزل هي أكثر أعماله انحيازاً لهذا الجانب التفكيكي لزمن ما قبل النفط وما بعده أيضاً، ووصف السويدي نفسه الرواية في إحدى حواراته بأنها تدور حول أثر تنامي النفط على المجتمعات الصغيرة الموزعة بين ثقافتين. وأنها تعنى بالثقافة الثانية التي انعكست في السلوك البوهيمي اليومي للأفراد، وأنه أراد وضع القارئ مباشرة أمام تأثير الثقافة الجديدة في المجتمع.
غياب ثاني السويدي هو غياب آخر موجع بعد الغيابات الفادحة لكل من جمعة الفيروز، وأحمد راشد ثاني، وناصر جبران، ومريم جمعة فرج، وحبيب الصايغ، وغيرهم من المبدعين الذين أسسوا للكتابة النوعية والأسلوب الزاهي والمتفرّد، في زمن يشهد تراجعات كبيرة وتحولات مقلقة على أكثر من صعيد وجهة.
لقد «جفّ ريق الإبداع» الذي قدمه لنا السويدي، وغاب عنّا بكامل أناقته الشعرية، وسط المسيرة الشائكة للوداعات والغيابات الصادمة.
 
 

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©