أصدر مجلس حقوق الإنسان في 22 من يونيو الماضي قراراً يطلب إرسال «بعثة تحقيق» لليبيا لتوثيق التجاوزات المرتكبة هناك منذ عام 2016. وكانت «المجموعة الأفريقية» في مجلس حقوق الإنسان قد طرحت مشروع القرار خلال الدورة الـ43 لمجلس حقوق الانسان، مطالِبةً في مشروع القرار «ميشيل باشليه»، مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، بإيفاد بعثة لتقصي الحقائق فوراً للتحقيق في انتهاكات القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي من قِبل جميع أطراف النزاع الليبي منذ بداية عام 2016. وتضمن الطلب أيضاً الحفاظ على الأدلة لضمان محاسبة المسؤولين عن الانتهاكات. وقد اعتُمد القرار بتوافق الآراء بدون تصويت، بعد استئناف مناقشات مجلس حقوق الإنسان عقب تخفيف القيود الاحترازية المفروضة للحد من تفشي وباء «كوفيد-19». وسيكلف الخبراء في هذه اللجنة لمدة عام، وينتظر أن يقدموا تقريراً شفوياً عن عملهم خلال الدورة الخامسة والأربعين لمجلس حقوق الإنسان التي يفترض أن تعقد في سبتمبر القادم، يليه تقرير كامل خلال الدورة التالية لمجلس حقوق الإنسان المقررة في مارس 2021. كما يطلب القرار من السلطات الليبية السماح للمهمة بإجراء تحقيقاتها وتمكين أعضائها من «الدخول بحرّية وبدون تأخير إلى كامل الأراضي الليبية». 
إن إنشاء بعثة لتقصي الحقائق بشأن الانتهاكات في ليبيا يعني أن المجتمع الدولي معني بما يحصل على الأراضي الليبية وأن القانون الدولي والقانون الإنساني الدولي يضمن محاسبة أمراء الحرب والميليشيات المسلحة على الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان التي تمت وتتم على الأراضي الليبية منذ سنوات بدون حساب ولا عقاب، لترهّل الحكومة الليبية وفقدانها القدرة على إنفاذ القانون وشيوع ثقافة الإفلات من العقاب.. الأمر الذي زاد من الجرائم المروعة في ليبيا. 
لكن قبل الانغماس في التمنيات الحقوقية، ينبغي التنبيه لأهمية وحساسية الوضع في ليبيا، حيث تتداخل الأجندات الإقليمية والدولية على الساحة الليبية، مما يعطي مجالا كبيراً لتسييس التقارير الحقوقية التي تُفتَرَض فيها الحيادية كتقارير المنظمات الحكومية الدولية.
لقد تزايد استخدام لجان التحقيق وبعثات تقصي الحقائق للتصدي للانتهاكات الخطيرة للقانون الإنساني الدولي والقانون الدولي لحقوق الإنسان، حيث أنشأ مجلس حقوق الإنسان في 29 سبتمبر 2017 في بحثه لملف حالة حقوق الانسان في اليمن فريقاً من الخبراء الدوليين والإقليميين بشأن اليمن، وتم تجديد ولايته في 28 سبتمبر 2018. وقد وجهت لفريق الخبراء انتقادات واسعة بعد إصداره لتقرير بعثة تقصي الحقائق في اليمن، والذي اعتُبر تقريراً سياسياً بامتياز لا تقريراً حقوقياً، بل إن التقرير ساهم في تأجيج الصراع وتأزيم حالة حقوق الإنسان باليمن. ورغم ذلك فقد تم تجديد ولاية الخبراء مرة أخرى في 26 سبتمبر 2019. وبعد مرور ثلاث سنوات على إنشاء بعثة تقصي الحقائق في اليمن، لم تشهد حالة حقوق الإنسان تحسناً، ولم تسهم البعثة في إنهاء المعاناة الإنسانية في اليمن. 
والمآخذ على تقارير بعثة تقصي الحقائق في اليمن مرشحة للتكرار في الملف الليبي حيث تتداخل الأجندات والمصالح وتتعرض فرق التحقيق والتقصي للضغوط السياسية.
عندما يتفشى الإفلات من العقاب، تنشأ بيئة خصبة للانتهاكات المنهجية والخطيرة للقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي، وعندما تكون العدالة الجنائية بحق الضحايا بعيدة المنال تنشأ أهمية لجان تقصي الحقائق والتحقيق في خلق ضغط دبلوماسي دولي للمحاسبة وصولا حتى للمساءلة الجنائية الدولية أحياناً.