شكّلت عملية اعتقال عناصر من كتائب «حزب الله» العراقي، ثم إطلاقهم، مفاجأة إيجابية أولاً، وخيبة أمل تالياً. لكنها كانت إرهاصاً لا بدّ منه للحكومة الجديدة في سعيها إلى حصر السلاح في يد الدولة. فمن جهة، أثبت المستويان السياسي والأمني قدرتهما على اتخاذ القرار وتنفيذه، ومن جهة أخرى، أظهرت دلالات الحدث مدى الاختراقات التي تمكّنت فصائل السلاح غير الشرعي من إحداثها داخل الدولة، وبالأخص في القضاء الذي سلّم إليه المعتقلون، وبينهم لبناني، وما لبث أن أفلتهم «لعدم كفاية الأدلة»، كذريعة «قانونية»، لكن بتواطؤ سافر خارج إطار القانون. وتؤكّد العملية بجزئيها، أن أمام حكومة مصطفى الكاظمي تحدياتٍ يصعب حصرها وإحصاؤها، وسط مكوّنات طائفية وإثنية اعتادت على ممارسة سياسية متفلّتة، بدأت شاذة واستمرّت كذلك. 
احتفلت «كتائب حزب الله» بطريقة مستفزّة، بإطلاق عناصرها ونجاحها في تحدّي الدولة، بل بتحدّي الغالبية العظمى من العراقيين، وبات المحك الآن أن تستأنف هذه الميليشيا إطلاق الصواريخ، كما دأبت منذ الربع الأخير من العام الماضي، تارة على مطار بغداد والقواعد العسكرية التي توجد فيها قوات أميركية، وطوراً على «المنطقة الخضراء» حيث المقار الحكومية ومعظم السفارات، بالإضافة إلى مقار لزعماء فصائل «الحشد الشعبي» وحتى لـ «كتائب حزب الله»، وفقاً لمعلومات متداولة. لا يمكّن الكاظمي التعامل مع إطلاق الصواريخ بالتغاضي، على غرار رؤساء الحكومات السابقين، عملاً بـ «نصيحة» الزعيم الميليشياوي قيس الخزعلي، بل يُفترض أن يكون ما حصل إنداراً رادعاً لـ «حزب الله» وللجهات الخارجية التي تريد الصواريخ «رسائل» لحكومتَي بغداد وواشنطن.
لماذا يحمل مغزى الردع؟ لأن مطاردة مطلقي الصواريخ لن تتوقّف، وقد تتحوّل في المرة المقبلة إلى مواجهة خطيرة لا يريدها أي طرف. ربما يتطلّب الأمر حواراً بين بغداد وطهران، لكن ليس قبل انتهاء الحوار الاستراتيجي الأميركي - العراقي القائم حالياً، وتتوقّع إيران وأنصارها، بل يريدونه، أن يخلص إلى اتفاق على الانسحاب الأميركي. لكن لبغداد مصلحة في استمرار وجودٍ أميركيٍ ما يعزّز مكانة الدولة وقواتها المسلّحة، تختلف عن مصلحتها في تفاهمٍ يطوّر التعاون مع طهران، ويتيح ضبط السلاح غير الشرعي، وحلّ ميليشيات «الحشد» من دون مواجهات أهلية، بل بتسوية داخلية تستند إلى القانون الذي أنشئ «الحشد» على أساسه. وفي نظر كثيرين، يبقى خيار التسوية هو الأفضل، حتى لو تطلّب مساراً طويلاً وصعباً، لأن الصدام العسكري سيتسبّب بمزيد من النتائج الكارثية اقتصادياً واجتماعياً، ولا يمكن أن ينتهي بهزيمة الدولة.
كان الإفراج عن عناصر كتائب «حزب الله» استثار فئات عراقية شتى، وبالأخص شباب الحراك الشعبي، إلا أن الدينامية التي أطلقها الكاظمي جعلت الرهان عليه يتنامى، وسيتنامى أكثر بعد إنجاز اتفاق مع الولايات المتحدة. لذلك تبلورت مبادرة تشكيل تحالف برلماني لدعم «إعادة هيبة الدولة»، ويأمل أصحابه في أن يتطوّر، كتيار عابر للطوائف، ويخوض الانتخابات المقبلة، باعتباره «حزب الدولة»، أو بالأحرى «حزب الكاظمي» الذي جاء من خارج المنظومة السابقة للسلطة وأحزابها، ويفتقد كتلة برلمانية مساندة للإصلاحات المعقّدة التي يعتزمها، سواء في الإدارة، أو في تصويب السياسات والأداء الاقتصادي. لا شك أن المهمة صعبة، ولا خيار أمامه سوى أن ينجح، ولا خيار لدى خصومه الذين جُرّبوا وفشلوا، سوى تمكينه من العمل.
* محلل سياسي- لندن