خريطة المحاور الرئيسية لجولة الانتخابات الرئاسية الأميركية قد تبدو على النحو التالي: إدارة أزمة كوفيد-19، التعافي الاجتماعي من تبعات جريمة مقتل فلويد، التعافي الاقتصادي ما بعد جائحة كوفيد-19، الحياد الإعلامي، محاكمة مبادئ العولمة، احتواء الصين اقتصادياً. أما فيما يخص تحجيم دور وتأثير المنصات الافتراضية على مزاج الناخب نيابة عن مال سياسي خارجي، فإنه على ما يبدو قد حسم نتيجة موقف المعلنين الكبار وعلى رأسهم المُعلن الأميركي، ونتمنى أن يُعتمد ذلك من قبل سائر المعلنين حول العالم.
إما فيما يخص ملف السلام في الشرق الأوسط، فأنه قد يرحل باتفاق الفريقين ضمنياً، أو أن يتحول لعنوان ثانوي يتم توظيفه بشكل انتقائي من قبل المتنافسين حسب ما تقتضيه خريطة الناخبين. ويعد تراجع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن قرار ضم أراضي جديدة من الضفة الغربية مؤشر حقيقي على عمق الانشطار داخل الكتلة اليهودية الأميركية، ليس فقط من «صفقة القرن» بقدر ما تسبب فيه اليمين الإسرائيلي وسياسات نتنياهو شخصياً من إضرار بالشخصية المعنوية والاعتبارية ليهود الولايات المتحدة.
تقدم جو بايدن بنسبة ضئيلة على الرئيس ترامب بحسب ما أشارت إليه مراكز استطلاع الرأي الأميركية، وهذه النسبة قد تتلاشى سريعاً نتيجة تراجع مؤشر البطالة، وإضافة ستة ملايين وظيفة حتى نهاية يونيو المنصرم. حجم الانكشاف الأميركي داخلياً وخارجياً هو المنعطف السياسي المتوجب أن تجتازه الولايات المتحدة، وبحسب وصف وزير الدفاع الأميركي السابق روبرت جيتس خلال ندوة افتراضية عن بعد، نظمها مركز أسبن «لم يعد النموذج الأميركي هو الأمثل بعد الأزمة المالية عام 2008، وأكدت سياساتها الخارجية عن تراجع في قدراتها على تطوير رؤى فاعلة تمثل قيمها ومصالحها العليا».
تحديات استدامة قيادة الولايات المتحدة للعالم هو العنوان الغائب، وحقيقية نتيجة حالة صناعة الساسة لا السياسة. فهي تعيش حالة من إنكار الواقع لو قورن ذلك بتجاربها الاجتماعية السابقة، فهل تسبب تسيدها المنفرد للعالم إفقادها حالة التوازن في شخصيتها السياسية وطنياً ودولياً، وهل مثّل وصول الرئيس ترامب للبيت الأبيض تأكيداً لذلك. صناعة الخوف (سياسياً) نتيجة اعتداءات سبتمبر أفرزت اختلالات غير مسبوقة، فارتفعت معدلات الاعتداءات المسلحة الكبرى، والتي لا زال المُشرع يختلف في توصيفها إرهاباً او انفلاتات عنف اجتماعي كبرى.
حالة الاتزان هي ضالة العملية السياسية الأميركية أميركياً، فدورها القيادي حيوي اقتصادياً وسياسياً، ونموذجها المدني ملهم. إلا أن التحول في شخصيتها من الدولة النموذج إلى إمبراطورية هو ما يجب أن يتصالح بشأنه الأميركي، فهي قد فشلت في فهم دورها الإمبراطوري. واليوم نحن نشهد حجم الهوة بين مبادئ مؤسسيها الأولين وتسلط رأس المال السياسي على مفاصل العملية السياسية. فهل ستستمر ظاهرة ترامب في الارتقاء لتمثل حالة تحول اجتماعي جديدة، أم أننا قد نشهد عودة المؤسسة التقليدية للبيت الأبيض عبر عودة «الديمقراطيين».
كوفيد-19 إما أن يصبح عنصراً محفزاً في إعادة الاتزان للشخصية السياسية الأميركية، أو مسرعاً في عملية تخندق اجتماعي غير مسبوقة للمجتمع الأميركي. فهل يعي المرشحان حجم تلك التحديات، أم أنها ستكون حلقة من الحلقات السياسية من التواترات السياسية ليس إلا.
*كاتب بحريني