من أعمق الأسئلة الوجودية، سؤال معنى الحياة! فقد يعيش بعضنا ويفنى دون أن يدرك ميزة وجوده ومغزاه؛ ولهذا نجد في بعض الناس من يستنكر عليك سعيك في الحصول على معنى لهذا التساؤل، فيستهجن تعبيرك المستمر عما يستفز حواسك ويحرك مشاعرك، ويستخف بأسئلتك وإلحاحك بشأنها؛ فذاك - حسب اعتقاده - مضيعة للوقت وسفه بلا معنى! والحقيقة أن استشعار ميزة الوجود -على الرغم من كوننا جميعاً أحياء- هي ملكة لا يقبض عليها أي كان؛ إنها تحتاج إلى درجة وعى عالية، واكتساب قدر جيد من المعارف، وطاقة فائقة على تحفيز الحواس للاستمتاع بالمتاح حتى أقصاه. وهذا كله دون إلحاق الأذى بالأرض ومن عليها.
وما سبق هو من الأهمية القصوى بمكان، لا يتفوق عليه سوى ما يجب أن يلحقه، بأن نجعل لكل ذاك قيمة. فأن يكون لوجودنا قيمة، هو أمر آخر، وإن كان لاحقاً لاستشعار معنى الوجود. فلا قيمة للذات في الوجود، دون استشعار ميزة الوجود، ومن لم يكن ذا قيمة، لن يقدم لحياة الآخرين قيمة، إن قيمتنا الحقيقية هي مقدار ما نضفيه على حياة الآخرين من قيمة. وفي الوقت الذي تتوقف فيه قدرتك على أن تكون ذا قيمة لآخرين، فاعلم أن لا حياة في عيشك.
بين المفردتين الأخيرتين بون شاسع، واختلاف جذري. فكلمة حياة وكلمة عيش، على عكس ما نقوله ونستخدمه، ليستا متطابقتين إطلاقاً. العيش هو أن تمارس ما تفعله الكائنات كلها، كالتنفس والحصول على الطعام لتتغذى والزواج لتتكاثر والنوم للراحة.. وغيرها من الوظائف الطبيعية، التي لو تُرك إنسان في غابة بلا أدنى معارف أو خبرة أو قرار، سيجد نفسه يُمارسها. أما الحياة، فهي أن تستغل كل تلك الوظائف لتضيف معنى لوجودك وقيمة لها وللآخرين حولك، وبالتالي للإنسانية فيما بعد، سواء بقيت تتنفس أو توقفت عن ذلك.
«عش حياة» ولا «تعش الحياة»، وبين الاثنين قرار وإرث ذو قيمة تتركه للآخرين ويضيف للإنسانية بعداً آخر، بعداً يساهم في تطورها، فقط عندما تعلم أن لكل شيء معنى وقيمة وعليك البحث عنه، في حين أن اعتبار أي أمر بلا معنى وقيمة ولا يستحق التوقف أمامه.. هو السفه بعينه.