أعلن الرئيس دونالد ترامب تعليق إصدار تأشيرات جديدة للعمال، بما في ذلك تأشيرات H-1B للأفراد ذوي المهارات العالية، حتى ديسمبر 2020، في خطوة ستلحق الضرر بالهنود أكثر من غيرهم.
ويُذكر أن الهنود استحوذوا على ما يصل إلى 70% من تأشيرات H-1B على مدى السنوات الخمس الماضية. ومن المتوقع أن تؤثر هذه الخطوة على كل من شركات البرمجيات الأميركية والهندية، لاسيما تلك التي تعتمد على العمال الهنود لتنفيذ العقود. وبينما تحاول شركات التكنولوجيا الهندية العاملة في الولايات المتحدة زيادة عدد الأميركيين الذين توظفهم، فإنها لا تزال تعتمد إلى حد كبير على الهنود لإجراء عمليات السلسلة. وقالت الإدارة الأميركية إنها قامت بمد الحظر على إصدار تأشيرات الهجرة والعمال غير المهاجرين لمدة 60 يوماً حتى نهاية عام 2020. ويتضمن هذا عدداً من فئات التأشيرات بما في ذلك تأشيرات H-1B وH-2B وH-4 وj وL التي ستظل معلقة حتى 31 ديسمبر.
وكانت صناعة الاستعانة بمصادر خارجية قد نمت في العقود الثلاثة الماضية على خلفية تقديم خدمات بتكاليف أقل بسبب الإمدادات المتواصلة من العمالة الرخيصة. وتقوم الشركات الغربية بالاستعانة بمصادر خارجية لأعمال الصيانة الخاصة بها من الهند وشركات البرمجيات الهندية مثل «ويبرو» و«تاتا كونسالتانسي سيرفيسيز» و«إنفوسيز». وتقوم هذه الشركات الهندية بدورها بإرسال مهندسيها لتنفيذ المشاريع في الولايات المتحدة بموجب تأشيرة العمل. ويوجد حاليا أكثر من 300,000 مهندس هندي في أميركا، مع ملاحظة الخبراء أن الصناعة كانت تتجه أيضاً نحو الاتجاهات الناشئة مثل الأتمتة.
ومن الواضح أن الخطوة التي اتخذها الرئيس ترامب تهدف إلى حماية العمال الأميركيين المتأثرين بالتباطؤ الاقتصادي الناجم عن جائحة كوفيد-19. في كل عام، تقوم حكومة الولايات المتحدة بإصدار تأشيرات H-1B بحد أقصى 85,000 تأشيرة في العام بأكمله. ومن بين هذا العدد، يتم إصدار 65,000 تأشيرة للعمال الأجانب ذوي المهارات العالية. ويخصص الباقي للعمال الأجانب ذوي المهارات العالية من الحاصلين على تعليم عالٍ أو درجة الماجستير من إحدى الجامعات الأميركية. ومن الواضح أن القرار الأميركي سيؤثر على العمال الهنود الذين اعتادوا الحصول على جزء كبير من هذه التأشيرات. ومنذ سريان الحظر، تم تعليق جميع عمليات إصدار تأشيرة H-1B وغيرها من التأشيرات الأخرى على الفور. وهذا يعني أنه لن يُسمح لجميع أولئك الذين حصلوا على تأشيرة سارية وهم متواجدون خارج الولايات المتحدة بدخول البلاد حتى 31 ديسمبر.
وتعد شركات تكنولوجيا المعلومات الهندية من بين أكبر المستفيدين من نظام تأشيرة H-1B، وقد استحوذت منذ التسعينيات على نصيب الأسد من إجمالي عدد التأشيرات التي يتم إصدارها كل عام. وبالتالي، فسيكون التأثير الأكبر لهذا القرار على موظفي البرمجيات الهنود. فحتى 1 أبريل 2020، تلقت مصلحة الجنسية والهجرة الأميركية 250 ألف طلب للحصول على تأشيرة عمل، وفقاً للبيانات الرسمية التي نقلتها وسائل الإعلام الهندية. ووفقاً للتقارير، من بين هذا العدد، تقدم الهنود للحصول على ما يصل إلى 184,000 تأشيرة خلال السنة المالية الحالية المنتهية في مارس 2021.
وتعمل الهند والولايات المتحدة على تنمية علاقاتهما، حيث تربط الرئيس ترامب ورئيس الوزراء ناريندرا مودي علاقات جيدة. وقد توطدت هذه العلاقات، التي تحظى بدعم الحزبين في الهند، خلال العقد الماضي، حيث وصلت التجارة بين البلدين إلى 115 مليار دولار في العام الماضي. وبرز التعاون الدفاعي على وجه الخصوص كحجر زاوية للعلاقات مع مشاركة عسكرية أكبر تشمل التدريبات العسكرية بين البلدين.
لكن في وسط هذه الأجواء من المودة، تظل قضايا مثل تأشيرة H-1B مقلقة للعلاقات، لاسيما تغيير المعايير الجديدة لقبول تأشيرة H-1B. وهذا يعني أنه لن يكون هناك نظام القرعة الذي كان يُستخدم لاختيار الأشخاص. هذه المعايير الجديدة الآن ستفضّل العمال المهرة الذين يحصلون على أعلى الأجور من قبل شركاتهم. وهذا يؤثر بشكل أساسي على شركات البرمجيات الهندية التي ترسل الآلاف من الموظفين منخفضي التكلفة إلى الولايات المتحدة. وتعني هذه التغييرات أنه سيتعين على الشركات الآن إنفاق المزيد على العمال، مما يؤثر على القدرة على توفير خيارات منخفضة التكلفة للشركات الغربية وكذلك الأميركية، وهو ما يمثل تحدياً لشركات البرمجيات عموماً. والنتيجة النهائية لهذه الحملة هي أنها سترفع التكاليف للشركات الأميركية التي كانت تستفيد من الخدمات الأرخص من خلال شركات البرمجيات الهندية.
ومن ناحية أخرى، فإن تعليق إصدار التأشيرات سيكون له تأثير داخلي في أميركا أيضاً، ولهذا السبب هناك معارضة داخلية لهذه الخطوة، ليس فقط من قبل شركات التكنولوجيا الأميركية، بل كان «الجمهوريون» أيضاً ينتقدون خطوة ترامب. وأعرب الأميركي «سوندار بيشاي»، هندي المولد، ورئيس شركة «ألفابت»، في بيان عن خيبة أمله، قائلا: «لقد ساهمت الهجرة بشكل كبير في النجاح الاقتصادي لأميركا، مما جعلها رائدة عالمية في مجال التكنولوجيا».
وتأتي هذه الخطوة في وقت تتخذ فيه العديد من البلدان إجراءات حمائية، حيث أدى فيروس كوفيد-19 إلى تباطؤ الاقتصادات، مما أدى إلى فقدان الوظائف وخفض الرواتب.

*مدير مركز الدراسات الإسلامية- نيودلهي