حذرت فرنسا التي تقود «مجموعة الدول الصديقة»، من احتمال أعمال عنف في لبنان بسبب الأزمة الاجتماعية المتفاقمة، نتيجة انهيار متسارع لقيمة الليرة، وعجز المودعين عن الوصول الى أموالهم في المصارف. وأبدى وزير خارجيتها «جان إيف لودريان» قلق بلاده، مكرراً دعوة حكومات دول صديقة، لتقوم حكومة حسان دياب، بإصلاحات ضرورية، كي تحصل على مساعدات مالية دولية. وجاء التحذير الفرنسي مع دخول لبنان إلى «العتمة» نتيجة توقف معامل الكهرباء عن الإنتاج لعدم توافر المحروقات، وكذلك التهديد بـ «ثورة العيش»، احتجاجاً على زيادة ربطة الخبز من 1500 إلى 2000 ليرة، وتزايد الشكوى من ارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة، الذي ضرب الطبقة الوسطى وأسقطها إلى تحت خط الفقر، الأمر الذي يجعل أبواب لبنان مفتوحة بقوة أمام الاضطرابات والإخلال بالأمن، في ظل إفلاس عدد كبير من الشركات، ليبلغ عدد العاطلين عن العمل أكثر من 550 ألف شخص. 
عندما تشكلت حكومة «دياب» في يناير الماضي، أطلق عليها بتفاؤل لقب «حكومة إدارة الانهيار الاقتصادي»، لأنه لم يعد بالإمكان تفادي هذ الانهيار، ويتوجب عليها، إضافة إلى تحمّل التبعات الاجتماعية والأمنية للانهيار، إجراء إصلاحات اقتصادية غير شعبية، إلا أنها ستساهم بعودة التوازن المالي ووضع الأسس السليمة للنمو الاقتصادي، على أمل أن تسمح أموال «سيدر» البالغة 11 مليار دولار من تخفيف بعض الاحتقان، في حال نجحت الحكومة في استعادة «الثقة» الدولية. 
وفي فبراير الماضي، حازت الحكومة على «ثقة هزيلة» من مجلس النواب، لتواجه تحديات الحصول على «ثقة الشعب» المنتفض في الشارع ضدها، وضد المنظومة السياسية، وكذلك «ثقة المجتمعين العربي والدولي»، التي ستساعد على تدفق المساعدات والقروض الخارجية. لكن لبنان اصطدم مع مجموعة الدعم الدولية التي أكدت «أن المحافظة على استقرار لبنان ووحدته وأمنه وسيادته واستقلاله السياسي وسلامة أراضيه، تتطلب حكومة فاعلة وذات صدقية، وقادرة على تنفيذ إصلاحات تستجيب لتطلعات اللبنانيين، وملتزمة بسياسة النأي بالنفس عن التوترات والأزمات الإقليمية». وربطت تقديم المساعدات بتحقيق ذلك. ماذا حصل بعد 6 أشهر من ولايتها؟..
أكدت الوقائع، فشل الحكومة في «إدارة الانهيار الاقتصادي»، واتساع هوة فقدان «الثقة»، في الداخل والخارج، وانعكاسها السلبي على علاقات لبنان العربية والدولية، حتى أصبح في عزلة لم يتعود عليها في تاريخه السياسي والاقتصادي. ولوحظ أن هذه «الثقة»، تدهورت أكثر فأكثر، بعد إعلان لبنان التوقف عن دفع ديونه المستحقة باليوروبوند، وأصبح من الدول «المتعثرة»، ثم طرحت الحكومة خطة تتمحور حول إفلاس القطاع المالي من خلال تقديم حجم مزعوم وهائل من الخسائر، وإزالة رساميل المصارف واقتطاع نسبة من الودائع بين 60 و80%. والأخطر من ذلك أن الخطة لم تعالج جذور الأزمة المالية التي تتمثل بضعف إنتاجية الاقتصاد وغياب النمو، واستشراء الفساد وإهدار المال العام، وفشل الدولة في أداء مهماتها لمصلحة قوى سياسية طائفية تقاسمت مواردها وسلطاتها. وكل ذلك ساهم بتدهور قيمة الليرة حتى تجاوز دولار بيروت 10 آلاف ليرة.
ما يقلق اللبنانيين هو الإدارة السياسية التي زادتهم فقرا، وأوصدت أمامهم إمكانيات الإصلاح في بنية النظام. والمسؤولية تقع على العهد بكامله برئاساته الثلاث (الجمهورية، والمجلس النيابي، والحكومة). وفي ظل التدهور الاقتصادي الراهن، فإن المطلوب اليوم «إدارة الجمهورية» وحوكمتها، لمنعها من الانهيار. 
*كاتب لبناني