في السبعينيات كلما مررت بمنطقة بورسعيد حديثة البناء في دبي، أبحر مع الاسم الذي اختير لها، فخراً واعتزازاً بصمود وتضحيات المدينة المصرية خلال العدوان الثلاثي العام 1956، وأتماهى مع اسم مؤسسها الحاج سعيد لوتاه الذي ودع دنيانا الفانية قبل أيام قليلة بعد أن وضع بصماته الخالدة على المشهد الاقتصادي في الدولة والعالم، وصاغ لمساته العطرة على العمل الخيري والإنساني والاجتماعي، خاصة وأن «بور» تعني بالعربية الفصحى الأرض غير المستغلة، وبما يعبر عن منطقة طورها ذلك الرجل العصامي البسيط المتواضع ذو الرؤية الثاقبة والبصيرة النافذة، ومنحها من اسمه وأغدق على المنطقة وغيرها من المناطق القديمة في دبي الكثير من الرعاية والاهتمام، خاصة ما يتعلق بزراعة أشجار النخيل لتكون سبيلاً للعابرين.
تختزل قصة سعيد لوتاه عصامية رجالات الرعيل الأول من نبت هذه الأرض الطيبة الذين تشبعوا بقيمها في حب الخير ومساعدة الآخرين، تغمرهم مشاعر مرهفة تجاه قضايا وطنهم وأمتهم، ويصممون على العمل لأجل الخير ومنفعة الناس، ولقي من مؤسس دبي الحديثة المغفور له الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم كل الرعاية والدعم والتشجيع.
لقد كان الراحل صاحب رؤية في مجال الاقتصاد، قادته لتسجيل السبق والريادة في إقامة أول مصرف إسلامي، لتتهافت على استنساخ التجربة مصارف عالمية ودول في مناطق عدة. وكذلك بناء المدن السكنية لمحدودي الدخل كما في مدينتي «بورسعيد» و«بدر» والعمل التعاوني والإسكان والمقاولات. وأيضاً في تعليم البنات بإنشاء كلية دبي الطبية للبنات، والتعليم إجمالاً انطلاقاً من قناعة راسخة بأن التعليم رسالة وهوية وانتماء، ووضع بصمات ساطعة وأيادي بيضاء في مشاريع كفالة ورعاية مئات الأيتام داخل وخارج الدولة، وفي مقدمتها المدرسة الإسلامية للتربية والتعليم التي تضم العشرات منهم، وتوفر لهم التعليم المجاني والإقامة الداخلية ليشقوا طريقهم في الحياة، معتمدين على أنفسهم وما تسلحوا به من علوم ومهارات.
مسيرة ملهمة للأجيال تقدم دروساً وعبراً سطرها فقيد الوطن على امتداد 70 عاماً من العمل الدؤوب بصبر وثقة بالله لتجاوز التحديات وصنع الخير وتقديم المعروف في زمن غير زماننا وبداياته الوعرة.
رحم الله الحاج سعيد وأسكنه الجنة وأسعده بها بقدر ما أسعد آلاف الأيتام الذين يشعرون اليوم برحيله مرارة اليتم مجدداً، وألهم أهله وجميع محبيه الصبر والسلوان.