الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الترفيه

ماكرون.. هل ينجح في توحيد أوروبا؟

ماكرون.. هل ينجح في توحيد أوروبا؟
4 يوليو 2020 00:24

محمد وقيف (أبوظبي) 

تطرح أزمة فيروس كورونا تحدياً كبيراً على الاتحاد الأوروبي، حيث وردت مؤخراً تقارير حول تأخر التعاون والتضامن بين بلدان الاتحاد في التصدي للوباء، وعن انقسامات إقليمية في التعاطي مع التداعيات الاقتصادية للوباء. ولا شك في أن الإعلان أواخر الشهر الماضي عن اتفاق فرنسي ألماني بشأن إنشاء صندوق للتعافي من آثار الأزمة بقيمة 500 مليار يورو يُعد خطوة مهمة على طريق صياغة رد أوروبي أقوى.

بعد عقد من الأزمات، يبدو كما لو أن الاتحاد الأوروبي سيخرج من هذه اللحظة أكثر هشاشة، وأن خطر تنامٍ جديد في الشكوك حول جدوى الاتحاد سيزداد، وخاصةً في البلدان الأكثر تضرراً مثل إيطاليا. 
 بعض الكتب التي صدرت حديثاً جعلها الوباء تبدو قديمة ومتجاوَزةً، في حين أن هناك كتباً أخرى جعلها أنسب وأكثر راهنية لفهم العالم. ومن هذه الأخيرة كتاب المؤلف الأميركي ويليام دروزدياك، «رئيس أوروبا الأخير.. سباق إيمانويل ماكرون لإعادة إحياء أوروبا وإنقاذ العالم»، الذي يبسط فيه رؤيةَ الرئيس الفرنسي لأوروبا موحدةً وذات سيادة، والعراقيل الكبيرة التي تواجهها. 
ويرصد «دروزدياك» في كتابه السنوات الثلاث الأولى لماكرون في الرئاسة وأنشطته خلالها على الجبهتين الداخلية والخارجية. وتستند الصورة التي يرسمها للرئيس الفرنسي إلى حوارات مع اللاعبين الأساسيين، بمن فيهم ماكرون نفسه. هذا الأخير يسعى لتحقيق الهدف المزدوج متمثلا في تحديث الاقتصاد الفرنسي وتقوية المشروع الأوروبي. ويكتب المؤلف في هذا السياق: «لقد ترشح للرئاسة مقتنعاً بأنه يستطيع استعادة مجد بلده، فقط ضمن حملة أكبر لتقوية أوروبا كقوة عالمية تستطيع التنافس على نفس مستوى الولايات المتحدة والصين وروسيا». 
 لكن ماكرون ليس ساذجاً في تحمّسه للمشروع الأوروبي، ولا مفتوناً بجاذبية الحدود المفتوحة والهويات ما بعد الوطنية.. إذ ما فتئت رئاسته تتبنى مواقف متشددة إزاء الهجرة. وخطابه مسكون بخوف لا تخطئه العين من أن «أوروبا يمكن أن تختفي»، مثلما قال للمؤلف، في عالم يتميز بتنافس محموم على القوة بين الولايات المتحدة والصين. أوروبا التي يروّج لها ماكرون هي أوروبا قائمة على الواقعية والسيادة: تأكيد القوة على الساحة العالمية، والدفاع عن مصالحها، والاستثمار في حدود قوية وفي الدفاع. وبدلا من الاكتفاء بمعارضة الشعبويين عبر التشديد على الانفتاح والتسامح، يسعى ماكرون إلى التقاط الطلب على الحماية وإعادة صياغته: «السيادة والحماية من صدمات العالم الحديث لا يمكن تحقيقهما إلا من خلال بلدان أوروبية تعمل معاً، وليس من خلال دول -أمم منقسمة ومنعزلة». 
 وقد أوضح ماكرون هذه الرؤية في خطابات ورسائل، لعل أبرزها الخطاب الذي ألقاه بجامعة السوربون في 2017 حول السيادة الأوروبية. ففي ذلك الخطاب، اقترح ماكرون منطقة يورو أكثر قوة وتكاملا، الأمر الذي كان سيجعل أوروبا أحسن استعداداً لتحمل صدمة الوباء. ومنذئذ، ما فتئ الرئيس الفرنسي يدعو إلى رد عالمي على فيروس كورونا، بعد أن عقد اجتماع مجموعة السبعة في وقت سابق، وكثّف الدعوات إلى تضامن أوروبي في وجه الأزمة الصحية والاقتصادية. ومدعومة ببلدان جنوب أوروبا، دفعت باريس في اتجاه تبني «سندات كورونا»، وهي عبارة عن أصول مدعومة باليورو كانت ستسمح باقتراض مشترك. وفي خطاب تلو الخطاب، أكد ماكرون أن الوباء يكشف عن عالم جديد وينبغي أن يفتح نقاشات حول السيادة الأوروبية في سلسلة الإمداد الطبية، والأمن الغذائي، والقرصنة الرقمية، والاستراتيجية العسكرية. 
بيد أن التحديات القديمة ما تزال قائمة. فشركاء ماكرون الأوروبيون، وفي مقدمتهم المستشارة الألمانية الحذرة أنجيلا ميركل، يرفضون تبني طموحات باريس، إذ كان ماكرون «يأمل أن تتقاسم معه ميركل شعوره بحالة الطوارئ بشأن الحاجة إلى تحريك أوروبا من جديد.. كما كان يريد إقناع ألمانيا بإعادة النظر في آرائها المتزمتة بشأن التقشف وتوازن الميزانيات والتفكير في طرق مبتكرة لتحفيز النمو عبر أوروبا». والحق أن موافقة ميركل على صندوق التعافي حفّز الشراكة الفرنسية الألمانية ومنحها زخماً جديداً وأملا في خطوات شجاعة أكثر في ولايتها الأخيرة. لكن ذلك ينبغي ألا يمنع مخططي باريس الاستراتيجيين من الاستثمار في شراكات جديدة في الاتحاد الأوروبي، لاسيما مع إسبانيا وإيطاليا، الصوتين المدافعين بشدة عن تعاون أوروبي في هذه الأزمة. 
ولئن كان «رئيس أوروبا الأخير» كتاباً يُعنى بالسياسة الخارجية، فإنه يسلط الضوء أيضاً على إصلاحات ماكرون الداخلية التي شملت: جلب المرونة المطلوبة جداً إلى سوق العمل المشهور بتصلبه، وإصلاح نظام التقاعد، وتشجيع ريادة الأعمال، وتحديث النظام التعليمي. لكن عقوداً من الشلل السياسي تركت مظاهر قوية لانعدام المساواة ومقاومة للتغيير بين أجزاء كبيرة من الناخبين الفرنسيين، جسّدتها حركة «الأقمصة الصفر» الاحتجاجية، و«التوعك المزعج الذي أصاب المجتمع الفرنسي وأُهمل وتدهور لسنوات»، كما كتب دروزدياك.  وإذا كان الأداء الضعيف نسبياً للاقتصاد الفرنسي قد شكّل تاريخياً عبئاً على الرؤساء الفرنسيين السابقين على الساحة الدولية، فإن المهمة اليوم تبدو أصعب. فداخلياً، سيتعين على الزعماء الوطنيين تفسير التكاليف الاقتصادية للتدابير الرامية لاحتواء الجائحة وتبريرها، وفرنسا ستعاني بعد أن رأت التأثيرات الإيجابية الأولى للإصلاحات على أرقام البطالة العام الماضي. أما على الساحة الدولية، فسيتعين على الزعماء التوفيق بين الطلب على قدر أكبر من الحماية والسيادة، والحاجة الملحة لتعزيز التعاون العالمي وتقوية التعددية الدولية. ولا شك أن فرنسا ماكرون ستبادر باقتراح حلول، لكنها ستحتاج إلى شركاء في الخارج وإلى دعم في الداخل.

كتاب: رئيس أوروبا الأخير.. سباق إيمانويل ماكرون إلى إعادة إحياء أوروبا وإنقاذ العالم
المؤلف: ويليام دروزدياك
الناشر: بابليك أفيرز
تاريخ النشر: أبريل 2020

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©