قبسٌ من ضوء عينيها طريقك للأمل، وسقوطٌ في عمق السؤال، منفاك. أيها المريض بعلّة الدهشة، أيها المرتحل من كتابٍ إلى كتاب وفي فمك المعنى، وفي جيبك عملة المغامرة، ادفع الباب واخرج من ثيابك حراً أمام المرايا، وجديداً أمام ذاتك. وإذا قال لك الفيلسوف: أنت تمشي للمكيدة، وقال القضاةُ: الحبُّ جرمٌ وهتكُ عفّته جريرةٌ، فاعلم أنك على صواب، وأن النار الضعيفة صار يحرقها اشتعالك بالفرح، وسوف تصلُ لا محالة إلى بئر سرّك، وسوف تشرب لا محالة من سؤرها، لذة الصفو.

هات روحك، دعها على الورقة هنا وغادر. وسوف ترى أن جسدك فكرة زائلة، وأن مرورك في الزمن، هو مرور ريحٍ في نفق، ومرور خيط في الإبرة. وسوف تعرف أيضاً، أن الذي يجرُّ حبل مصيرك في الحياة هو الماضي الذي ظننته تلاشى، الماضي الذي ربّاك، بحلوهِ ومرّه، وقارب بين ضدّيك، وسوّاك نداً لمحوهِ، وأصلاً لأصلهِ. والماضي هو نصف المسافة دائماً، حتى لو وقفت مكانك. نصفهُ أنت، ونصفك الباقي ما سيؤول غداً إليك وعليك.

هات أغنيتك، افرش بها رقعة الفراغ الشاسعة بين العقل والقلب. هذه المسافة التي تفصلُ بين الرغبة وتحققها. كم وكم تقرّحت أقدام شعراء كثر، ولم يعبروها. وكم وكم نبتت على جانبيها في الطريق أحلام عاشقات رفضن مبدأ الانتظار، وقفزن، بثقة المطمئن، في نهر التمرد، وانتمين عزيزاتٍ إلى سلالة الأشجار. وأنت، أيها المرتحل من كتاب إلى كتاب، لن تجد معنىً للسانك، إلا إذا لحستَ النار، وذقت مرارة الكلمة الثائرة، وشممت دخانها اللامرئي. ولا يهم بعد ذلك لو ناحَ صوتُكَ في الندم، وعلا زئيركَ في وحشة أيامك الباقية.

هل قال لك المستقبل: أنا في انتظارك؟ هل مرّت الغيمة السريعة وقالت لك: اتبعني لتشرب؟ أيها العطشان للحرية، تناديها، وأنت لا تملك ثمن فستانها. وتعلّق القصائد على أسوار الجامعات، وأنت مطرود من مناهج الرضوخ، ومشطوبٌ بيانك، وجدلٌ لا ينتهي، حوارُ مريديك.
سطراً بعد سطرٍ، أيها المرتحل من كتابٍ إلى كتاب، سيتغيّرُ معناك. جسرك قد يصبح سريراً ولا تعود تظمأ بعدها للذهاب أو الإياب. وقناعك قد يصير أنت، ولا تعودُ تبتلى بالبحث عن ذاتك في ذاتك، أو حتى خارجها. وستدرك أن عقارب الساعة، هي التي لدغتك بسُمّ النهاية، وتركتك نهباً لفكرة الفناء.