أزيل لثام الصبر، عن بداية الوهم، لعل هامة البعد الصدى، أو لذة في مدى يهيب للنفس مكانة، ولربما يهيج البحر رذاذه، فمن نكد الأيام أن يخدش الرذاذ وجه الريح.
سعيت بالود بين الورى، أهدي من يصادف صداقتي، حباً وعطراً وورداً، وألبسهم حرير الصداقة، وأخجل إذ لا أملك لهم وداً، وأبصر في نفسي أمراً كأنه جلل، وأشعر بسُحبٍ من ضيق في الأفق، وكأن شيئاً يقتات نفسي، لم أخلق لكي ترقى دنياي فرحاً، وأهمُّ إذ أرى في أعينهم حزناً أو غضباً، فأمنحهم ما يرفل فرحاً، وأصبو نحو ذاتي وهي تتعكز على صبر المآسي، قائلاً لهم: كفى، اتركوا قلبي تمر عليه الأيام، تمر برداً وسلاماً.
وإن وهبني الله الصمت، ووهب غوغاء ألسنتكم مناكفة، فما أشقاني الصمت ولا تكسر في صمتي المزمن وقار، ولا وهنٌ أصاب نفسي، ولا لي لذة تملأ القلب غلاَّ عليكم، ولا تخبو الأيام في صبري، وهمومي تشعل النفس، فلا أبالي بكم، وأدع أقوالكم على لحن الأيام تعزف غيبة، ويهب الإله لي فجراً من سكينة ووقار، والفجر جميل إذ حدثته النفس، فيه شغف وحسن ضيافة.
تحدثني الأيام عنكم، ولكن الأبواب دون إرادة تغفل عن الهم، وتباعد بيني وبين من يطرق بعصاه الهم، ولا أخفي أن لي في الكر نزالاً، ولا أفرّ من وجه الصعاب، وأن لي صلابة فيها، فلا أتشرف باللين أبداً، وأتجنب قسوتكم وأرد لها ابتسامة، ومبادئ لي في الحياة عنكم تختلف، وإن تحررت نفوسكم من مبادئ القيم، فلا مفاتيح الأبواب تنتظركم، وإن همست نفوسكم في السلام ميثاقنا، فلا يحيد عن السلام الكرام.
أزيل لثام الصبر، عصاميّ النفس، أسير كالغريب، أملاً في الحياة شغفاً بالمسافات والمطاف العليل، حيث تركت هنا وهناك صداقات أمرُّ عليها لأروي خيراً فيها، أو أروي الحنين، وأصافح قلوب من رحلوا بعيداً عن دنيانا، عليهم رحمات من الإله، وقليلاً ما أنساهم، وكيف أنسى من لهم قلوب بيضاء، كانت تنبض في الحياة، ولهم ذكرى جميلة، ولهم سحر ابتسامة شفاهها الحنين.
ليس رسالة لأحد ما كتبت، وإنما تواطؤ الحروف مع فن الكتابة، وتأدب الفكرة بنسيج ما من صوَّره القلب الجريح، إما هي خدعة تموج في النفس، لتغسل الهموم، أو تراني أتسوَّل الصبر أمام هذا المجهول الفاتن. والأكثر فتنة من الحقيقة، تحَدّى ما يجرك نحو نشوة الكتابة المتأصلة، مثلما جذوة الكلمات من جراء البوح المطلق، لترسم لوحة ما.