أكثر ما يميز الناجحين هو خروجهم عن المألوف، بحيث يتغلبون على ثقافة الخوف، وعن «ماذا سيقول فلان وعلان عني إذا فشلت؟»، فالصورة المتخيلة أقوى تأثيراً من أحاديث البشر في نفس الناجحين، ولأنهم يؤمنون بما يسعون إليه، فيصبح لا وجود لهؤلاء في كيانهم، من أهم سمات الناجحين أنهم لا ينشغلون بالأخطاء بل يتعلمون منها، الفشل يمنحهم فرصاً لمرحلة جديدة، تعاملوا مع الفشل على أنه عثرة أو استراحة في طريقة لنهوض من جديد وتكرار المحاولة، و«أجمل» ما في طريق الفشل أنه في كل مرة يفشل تكتشف طرقاً ومكامن في الذات، وتمنحك قوة ومعرفة وخبرة في التعامل، الناجحون يعتبرون الفشل جزءاً من دورة استشكاف الذات، والتعلم من الأخطاء، واكتساب خبرات في الحياة، وهؤلاء حولوا كلمة «مستحيل» إلى «ممكن»، لذا حققوا قفزات في حياتهم، وبنيت لديهم خبرة وسلوكيات جديدة.

يقول الملاكم الأميركي محمد على كلاي: «كل شخص يجب أن يفشل في شيء ما، ولكني لا أرضى عن نفسي بعدم تكرار المحاولة، كان يقول «توماس أديسون» في كل مرة يحاول أن يكتشف طريق النور إلى المصباح الكهربائي: هذا عظيم، لقد أثبتت هذه التجربة أنها وسيلة فاشلة للوصول إلى الاختراع، ولم يضعف أمام تكرار كلمة «فاشلة»، ولم ييأس من المحاولة، يقول «ألبريت أنيشتاين» المعرفة ليست المعلومات، فمصدر المعرفة هي الخبرة، إن سيرة الناجحين مليئة بالعثراث، ولكنها كانت سبباً للوصول إلى ما يسعون إليه.

«جوان رولينغ» روائية وكاتبة لسلسلة «هاري بوتر» الشهيرة، عاشت في فقر مدقع، فشلت في زواجها، وفشلت في الحصول على وظيفة، فوضعت كل جهدها في الكتابة، كان الحافز الأول لها للتميز والنجاح، وبذلك أصبحت أول مليارديرة تحقق ثروتها من الكتابة، وتغلبت على الصعوبات الاجتماعية والاقتصادية التي عاشتها، وكانت لها مبادرات إنسانية، حيث تبرّعت بمعظم إيراداتها للأعمال الخيرية.

ابراهايم لينكون نشأ في عائلة فقيرة، وكان مستواه التعليمي متدنياً، خسر معظم أمواله في التجارة، لم يحالفه الحظ في الفوز في الانتحابات البلدية، وفشلت مساعيه ليكون عضواً في الكونجرس ومجلس الشيوخ، وفشل في أن يُنتخب نائباً للرئيس الأميركي، ولكنه لم ييأس من تكرار المحاولة، كل تلك المشاريع الفاشلة وجهته إلى طريق النجاح، إلى أن انتخب رئيساً للولايات المتحدة عام 1865، وهناك شخصيات لم تقبل بالفشل، فانتحرت بالسم أمثال زعيم كرواتيي البوسني سلو بودان براليك، ومنهم من لم يتقبل تهم الفساد والجرائم والوقوف في المحاكم، فأنهى حياته مثل رئيس كوريا الجنوبية رو مو هيون.

وجب على الإنسان أن يتحلى بالصبر حتى يصل إلى النجاح، أما إذا اعتبر الفشل نهاية العالم، وأنه فاشل، وانشغل بالفشل عوضاً عن المرور منه، فلم يغير شيئاً، ولن يصنع شيئاً، ولن يصل إلى شيء، وإنْ لم يكن عقلك الباطن مبرمجاً لتصبح فريداً، ولديك تصور بأنك ستكون مميزاً وقيمة مضافة للعالم، فإن الشهادات والدورات والخبرات العلمية لن تجعل منك ذا قيمة مضافة، وبهذا يدفعك العقل الباطن دائماً لإنجاز تصوراتك ويحفزك ويدفعك دائماً للإنجاز، يقول أبو قاسم الشابي في قصيدته إرادة الحياة، ناصحاً لمن يخاف الفشل وتكرار المحاولة:
إذا ما طمحتُ إلى غايةٍ ركبتُ المُنى ونسِيت الحذرْ
ولم أتخوف وعورَ الشِّعاب ولا كُبَّةَ اللّهَب المستعرْ
ومن لا يحب صعود الجبال يعش أبَدَ الدهر بين الحفرْ
*أكاديمية وكاتبة وعازفة.