قام الأثر السلبي لجائحة كورونا على كافة القطاعات التعليمية من مشاكل المؤسسات المعوزة أصلا (قبل الجائحة)، والساعية للتطوير والدفع بمقوماته، ومنها المدارس الإسلامية في المهجر، حيث المسلمون أقلية، حيث تعتبر هذه المدارس أساساً للبناء الفكري السليم للناشئة المسلمة هناك. فالتعليم الإسلامي، الجامعي وقبل الجامعي، جزء لا يتجزأ من الواقع العالمي الخاضع للتغييرات المتتالية، والتي تحتم دراسة حيثيات استجابة القائمين على التعليم الإسلامي، وقياس مدى كفاءتهم في ظل النظام الجديد، كأفراد وكمؤسسات، وبخاصة في دول محدودة الموارد والبنى التحتية المخصصة للتعليم عن بعد، ثم النظر في المناهج ذاتها التي يتم تلقينها للطلبة، ودراسة قابلية تنفيذها من خلال وسائل التواصل الحديثة.
وتشتد الحاجة لتقديم خدمات المدارس الإسلامية لأبنائها في الوقت الذي تعتبر فيه صمام أمان ومخرج إنقاذ، إذ تتمتع المدارس الإسلامية بكثير من الفرص في العالم الافتراضي الذي أصبح يقدم حلولا سهلة وسلسة، مما يساعدها في التغلب على المشاكل القديمة، بل والانطلاق من مرتكزات أكثر استيعاباً لاحتياجات أفراد المجتمعات المسلمة في الظروف الحالية، وبذلك فهي تخرج بهم من مخرج الإنقاذ قبل وقوعهم في فخ الاستغلال المصلحي من قبل تيارات الكراهية وجماعات التطرف المتعمدة بث الفوضى والشك في البنية الفكرية والثقافية لدى أبناء المجتمع، في ظل رخاوة مفاهيمية يزيدها التدفق الرقمي الهائل على مدار اليوم.
ولذلك فإن التعليم المدرسي ضروري لمخاض استراتيجيات متكاملة، لا تغفل أياً من التحديات، مستوعبةً ما تنطوي عليه من مفارقات وإكراهات الخصوصية الثقافية، وتداخل التعليمي بالديني. وحتى يكون الهدف سليماً، لابد من الالتفات السليم لأهمية ومكانة القائمين على العملية التعليمية عن بعد، والتي تحتاج، إذا مورست بدقة، ضعف الجهد المبذول في الصفوف الحضورية، مما يعني إيجاد طواقم تدريسية مهيئة ومكونة بعيداً عن العبثية والارتجال، ومعتمدةً على منهجيات تدريسية علمية، ومعطيات إحصائية دقيقة، وآليات رصد للحاجيات والمواقف الميدانية.
إن تطوير المؤسسات التعليمية في المجتمعات المسلمة ليس بالأمر الهين، لكنه في ذات الوقت ليس مستحيلاً، وبخاصة إذا ما تم العمل وفق أسس منهجية منظمة في إعداد المدرّسين، وفي التصدي للإكراهات التي تنجم عن هذا الإعداد أو تتحكم به، بحيث لا يستطيع المدرّس تقبل المرونة التي تمثل عماد النجاح وشرط التواؤم مع أبرز التطورات والتحولات، كجائحة كورونا مؤخراً، والتي حتمت السرعة في اتخاذ القرار واستدامة إنجاحه والتغلب على تحدياته.
وتضاف إلى ذلك ضرورة المواجهة الصريحة لتحديات الخصوصيات اللغوية والثقافية والدينية في تكوين مدرسي المواد الإسلامية، وبناء أسس استراتيجية لإعدادهم بما يحقق التوافقات الضرورية في عالم ما بعد الجائحة، بكل إكراهاته وفرصه المحتملة. كذلك يتعين إيلاء الرعاية والاهتمام اللازمين لمن استحقهما من الفاعلين في هذا المجال، من مؤطرين ومؤسسات ودول مساهمة تدفع نحو وضع الأطر المرجعية والملفات الوصفية الأقدر على الجمع بين واقع التدريس الحضوري والتعليم عن بعد كواقع محتمل لا يمكن تجاهله.
وبذلك تمتلك المؤسسات التعليمية في المجتمعات المسلمة، بكافة مكوناتها، المناعة الكافية للتغلب على التحديات، ابتداءً بأكبرها متمثلا في منهجيات التقويم والامتحانات عن بعد وآلياتها التكنولوجية الملائمة بالضرورة لطبيعة مناهج التعليم الإسلامي. وهنا سيكون التحدي الذي يحدد مخرجات التعليم الإسلامي عن بُعد، ومدى اتساقها مع المعايير الدولية للتقويم.