الجميع يدعو إلى وقف حرب الوكالات في ليبيا على المستويين الإقليمي والدولي، لكن على أي أساس طالما جميع الجهات غير راغبة في تقديم أية تنازلات؟! ففي الصراعات التي لا يتم حسمها عسكرياً من أحد الأطراف، يتوجب في حال الحوار أن يقدم كلا الطرفين المتصارعين تنازلاً متساوياً للآخر، لكن ما نراه حالياً، بالإضافة إلى المناكفات الدولية، أنه لا أحد يريد تقديم أي تنازل. وعليه، فإن السيناريو المستقبلي الأقرب هو استمرارية حرب الاستنزاف الأهلية بين الوكلاء. فالداعمون لكل طرف من المستبعد أن يدخلوا في حرب مباشرة.
الأتراك ينظرون إلى المشير خليفة حفتر، قائد الجيش الوطني الليبي، على أنه جنرال منقلب على ما يسمى حكومة «الوفاق» الإخوانية، وبأنه مَن أطاح باتفاق «الصخيرات»، بحجة حصوله على تفويض شعبي له. والحقيقة أنه حظي بالثقل الكبير الذي تشكله قبائل المنطقة الشرقية الداعمة له، والتي لها الكلمة الأخيرة في اختيار أي بديل له. والسؤال هنا، هل قررت تلك القبائل التخلي عنه بعد  عدم  السيطرة على طرابلس العاصمة؟
إجابةً على هذا، فإن ما يعيق تقدم هذا السيناريو في حال التخلي عن حفتر هو مَن البديل له؟ فالأمر ليس بتلك السهولة! كذلك زيارة قائد القيادة الأميركية في أفريقيا «الأفريكوم» إلى ليبيا ولقائه بالسراج ووزير داخليته فتحي باشا آغا وعسكريين أميركيين والسفير الأميركي لدى ليبيا في مدينة «زوارة»، وليس طرابلس العاصمة، يُعد دليلاً على عدم رغبة الولايات المتحدة في إغضاب الدول الداعمة لحفتر، خصوصاً مصر.
وبالنظر إلى الانكسار العسكري الأخير الذي تعرض له الجيش الوطني الليبي، فلولا الدعم التركي لميليشيات الوفاق لما حصل. فالمدعو «أردوغان» يوفر لحكومة «الوفاق» الخبراء العسكريين والمعلومات الاستخبارية ومختلف أنواع الأسلحة. هذا بخلاف جيوش المرتزقة والإرهابيين من شتى أنحاء العالم الذين سبق أن صدّرهم إلى سوريا، وها هو يُصدرهم مجدداً إلى ليبيا تحت سمع وبصر الولايات المتحدة، والتي سمحت بالوجود التركي في ليبيا خشية النفوذ الروسي المتصاعد. وللعلم، فالاستخبارات الأميركية، والتي تأسست بعد الحرب العالمية الثانية، لها تاريخ حافل في دعم الجماعات المسلحة، على خطى أساتذتها من المخابرات البريطانية، والتي دعمت الفِرق الدينية المتطرفة من مختلف الديانات والمذاهب منذ القرن الثامن عشر، لتعزيز سيطرتها على مستعمراتها في العالم. والإدارة الأميركية السابقة تحت حكم أوباما أكبر شاهد على دعم الأميركان لجماعة «الإخوان» وإيران.
ولا تزال الآلة الإعلامية التركية وجوقتها الإخوانية تعزف أقبح الألحان بأن حفتر وداعميه، هم مَن رفضوا اتفاق «الصخيرات»، والذي ينص على انسحاب حفتر من «سرت»!
الداعمون العرب لحفتر يعلمون علم اليقين أنه في حال انسحاب الجيش الوطني من «سرت»، فهذا يعني سيطرة حكومة «الوفاق» على الهلال النفطي الليبي، وبالتالي فإنها ستصبح قادرةً على تصدير 1.5 مليون برميل من النفط على الأقل في اليوم الواحد. بمعنى، دولة إرهابية أقوى بكثير من دولة «داعش». وهكذا ستتحول ليبيا تحت قيادة السلطان التركي إلى مقر جديد يجمع الإرهابيين كافة. فالتاريخ يشهد على ضلوع السراج وفتحي باشا في دعم الإرهاب والمرتزقة.
سؤال أخير: مَن يحتاج إلى ثروات ليبيا من الغاز الطبيعي؟ أهي الإمارات؟ هذا مستحيل، فالبنية التحتية للإمارات تمكِّنها تماماً من الاكتفاء الذاتي في مجال الغاز. وبالطبع ليس السعودية أيضاً، لأنها غنية عن التعريف في مجال الطاقة. أما مصر، فبعد الكشف عن احتياطات ضخمة في حقل «ظهر»، فلا تحتاج إلى ليبيا. لكن ماذا عن تركيا التي تستورد ما قيمته 43 مليار دولار سنوياً من الطاقة؟

*كاتب إماراتي