إليكم هذه الحقيقة.. إن الهالة التي تحيط بالكتابة ومن يكتبونها من وقار وتقدير، تعود في جانب كبير منها -لا إلى إمكانات الكاتب وخبراته، كما يُعتقد في أوقات كثيرة- إنما إلى تلك الجرأة على الحكي والتعبير عما يجول في نفسه. ولا يعني هذا أن ما يفكر فيه هو شيء فريد لا يتردد في نفوس آخرين -بل بالعكس-، وإنما يعود الأمر إلى قدرة الكاتب على الخروج بهذه المشاعر إلى العلن، على عكس آخرين قرروا كتمانها، خوفاً، أو أنهم لا يملكون ملكات التعبير عنها رغم وجودها. لهذا السبب «أساساً» للكُتاب حظوة ومكانة في مجتمعاتهم، كونهم يُعبرون عما يشعر به الأفراد، بشكل أو بآخر. وتعلو مكانة الكاتب كلما شعر قراؤه أن ما يقوله يتماشى مع ما اعتقدوه، أو ما شعروا به، وللعلم هذه الفئة يُكَوِّنون شعبية لا يُستهان بها في صالح الكاتب وكتابته.
ولكن السؤال هنا: هل هذا بالفعل دور الكاتب؟!
منذ سنوات طويلة وأنا أكتب، وقد أحببت جداً ما أفعله، ولأنني كذلك، لم أنشغل منذ بدأت -وتوافرت لي منصة لنشره- بالكتابة عما يرغب به الآخرون، ولهذا لم أفهم لماذا كانت بعض كتاباتي لا تنشر، وكانت لدي قناعة أن عبارة «غير صالح للنشر» تعني أنها كتابة رديئة، وكنت أجهل أن لهذه العبارة معاني أخرى، أهمها أن تلك الكتابة لا تتوافق مع أمزجة وأفكار صاحب قرار النشر. ولكن ما حدث أن جهلي ذاك، كان له دور في استمراري بالكتابة حسب ما أشعر، لا حسب ما يرغبون، وكانت هذه إحدى النعم التي حظيت بها في مسيرتي. إن الكتابة عن الروح وتفاعلاتها مع المحيط أمر حساس جداً، شجاع ومجزع، جميل ومنهك، فعل بطولي وجبان في آنٍ واحد!

إنها بالفعل كذلك. أكتب هذا بعد كتابات كثيرة، في صفحات دفتر الإنشاء الذي لم ألتزم فيه يوماً بطلب مُعلمة  بفكرتها، أو بعدد الكلمات المطلوبة، وعلى صفحات مذكرتي الرمادية، أو عبر الكتابة في الصحف والمجلات، كتبت باستمرار لأني كنت منشغلة بتفكيك ذاتي وتصدير مشاعري حولها، ولم أعبأ يوماً بمن اعتقدَ أن كتاباتي «شخصية»، فهي بالفعل كذلك، وسأظل كذلك، وليست لدي أي رغبة للكتابة نيابة عن الآخرين، مع احترامي لذواتهم.