بينما تخرج الهند ببطء من إغلاق صارم جداً يهدف إلى كبح وباء فيروس كورونا، تواصل حالات الإصابة الارتفاع. وبالنظر إلى دفع البلاد تكلفة اقتصادية مرتفعة بسبب أكثر من شهرين من الإغلاق الطويل، أعلنت الحكومة الفدرالية أنها لا تعتزم إغلاق النشاط الاقتصادي مرة أخرى.
غير أن ازدياد أعداد حالات الإصابة في بعض الولايات أخذ يرغم حكومات عدد منها على العودة إلى الإغلاق مجدداً. فولاية تاميل نادو الجنوبية، مثلاً، فرضت هذا الأسبوع إغلاقاً كاملاً لسبعة أيام في عدد من المناطق، بما فيها عاصمة الولاية تشيناي. وفي خمس مناطق لم يُسمح بالاشتغال سوى للخدمات الأساسية. تاميل نادو اتخذت هذه الخطوة من أجل السيطرة على حالات الإصابة بفيروس كورونا التي كانت آخذة في الازدياد وتتفشى بسرعة داخل الولاية، رغم أنها لم تسجل سوى حالات قليلة جداً خلال الفترة السابقة. وحتى نهاية هذا الأسبوع، تجاوزت هذه الولاية الهندية الجنوبية 70 ألف حالة مؤكدة. واليوم، تسجل ثاني أعلى أرقام بعد ولاية ماهاراشترا، التي عرفت أكثر من 120 ألف حالة إصابة.
لقد أصبحت الهند البلد الرابع الأكثر إصابة بوباء فيروس كورونا، إذ لديها حالياً 460 ألف حالة، ومن المتوقع أن يبلغ نصف مليون بنهاية الشهر. ورسمياً، حصد الفيروس حتى الآن أرواح أكثر من 15 ألف شخص. ومع ذلك لا يعتبر هذا العدد ضخماً قياساً إلى عدد السكان البالغ 1.35 مليار نسمة. كما أن معدل حالات «كوفيد -19» في الهند لكل 100 ألف شخص يُعد من بين الأدنى في العالم على الرغم من كثافتها السكانية المرتفعة. ووفق وزارة الصحة، فإن معدل التعافي أخذ يتحسن أيضاً وبلغ 56 في المئة تقريباً. فوفق الوزارة، هناك 30.04 حالة إصابة بفيروس كورونا في الهند لكل 100 ألف نسمة من السكان، في حين أن المعدل العالمي يفوق ثلاثة أضعاف هذا العدد إذ يبلغ 114.67، حسب الوزارة. ووفق تقرير الحالة الصادر عن منظمة الصحة العالمية، فإن الولايات المتحدة لديها 671.24 حالة إصابة لكل 100 ألف من السكان، بينما لدى ألمانيا وإسبانيا والبرازيل والمملكة المتحدة 583.88 و526.22 و489.42 و448.86 حالة لكل 100 ألف من السكان، على التوالي.
غير أن الهند أخذت تقترب من نصف مليون حالة إصابة وتبدو متجهة نحو تعمق الأزمة الصحية، وسط توقعات بحدوث ذروة الوباء في منتصف نوفمبر. وتشير دراسة أنجزها باحثون من «المجلس الهندي للبحث الطبي» الحكومي إلى أنه لا يمكن تخفيف الوباء إلا إذا تمت تقوية البنية التحتية الصحية. وفي الوقت نفسه، حذّر المجلس من نقص ضخم في أسرّة وأجهزة التنفس الخاصة بأقسام العناية المركزة والذي من المتوقع أن يعيق هذه الجهود.
إن ازدياد عدد حالات الإصابة بفيروس كورونا يمثّل مصدر قلق لثاني أكبر بلد في العالم من حيث عدد السكان، بلد يكافح ليس من أجل إنهاء الإغلاق المشدد فحسب، وإنما أيضاً إعادة إطلاق اقتصاده. ففي العاصمة الهندية دلهي، تسعى الحكومة في الوقت الراهن لزيادة عدد الفحوصات وعدد الأسرّة. وفي هذا الإطار، حُوّل مركز روحي في المدينة، وصفته تقارير إعلامية هندية بأنه أكبر من 22 ملعباً لكرة القدم، إلى منشأة لاستقبال المصابين بفيروس كوفيد -19، تستطيع استيعاب 10 آلاف سرير. كما أقيمت أسرّة مستشفيات في 40 فندقاً و77 بهو استقبال و500 عربة قطار.
وبالمثل، ارتفعت حالات الإصابة في ولاية ماهاراشترا الهندية الغربية، والحكومة هناك تتعاطى مع الوضع الحالي الصعب. ومن بين أسباب ارتفاع أعداد الإصابات في مناطق مختلفة من البلاد عودة العمال المهاجرين من المدن الكبيرة والذين سافروا من مناطق مختلفة داخل البلاد في محاولة يائسة للوصول إلى بلداتهم. ذلك أنهم كانوا عالقين خلال فترة الإغلاق الذي أُعلن عنه على عجل واضطروا للسفر مشياً على الأقدام لمئات الكيلومترات من أجل الوصول إلى وجهاتهم، دون أخذ الاحتياطات الوقائية اللازمة من الفيروس المعدي. ولا شك في أن الطبقة السياسية تفعل ما في وسعها لإخراج البلد من هذه الأزمة، غير أن كل جهودها المبذولة من أجل السيطرة على الوضع لم تؤت بعد النتائج المرجوة، على الأقل حتى الآن.
وفي هذا الأثناء، تتلقى حكومة دلهي مساعدة نشطة من الحكومة الفيدرالية من أجل إبعاد عاصمة البلاد عن مزيد من الأضرار. وفي هذا الصدد، عقد رئيس الوزراء ناريندا مودي اجتماعات عبر الفيديو مع عدد من زعماء الولايات المنتمين إلى أحزاب سياسية مختلفة، من أجل مناقشة الوضع في البلد حالياً، والاستماع إلى أفكار من شأنها مساعدة البلاد في هذا الظرف الدقيق. ويتمثّل موقف الحكومة الفيدرالية حالياً في أن أمر محاربة الوباء بات منوطاً الآن بالولايات، في حين تتكفل الحكومة الفدرالية بتوفير الدعم التكتيكي للولايات من أجل كبح الوباء. غير أنه ما زالت أمام كل من الولايات والحكومة الفيدرالية مشكلة كبيرة جداً ما فتئت تكبر وتزداد تعقيداً.

*مدير مركز الدراسات الإسلامية- نيودلهي