«الأزمات بشكل عام تخلق رجال.. تخلق دول.. تثبت تاريخ.. تصنع مستقبل.. الأزمات تخليك تعرف سيف يمناك»، كلمات لصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، سبق أن قالها حول الأزمات، وأعاد سموّ الشيخ سيف بن زايد آل نهيان، نائب رئيس مجلس الوزراء، وزير الداخلية، نشرها في تغريدة على «تويتر»، وقد وجدت هذه الكلمات تفاعلاً كبيراً في مختلف وسائل التواصل الاجتماعي، ليس فقط لأنها تجسد إحدى السمات التي تميز الإمارات، وهي القدرة على مواجهة الأزمات وتحويلها إلى فرص، وإنما أيضاً لأنها تعبر عن الفكر العميق للشيخ محمد بن زايد، وعبقرية القيادة لديه، بما تحمله من قدرة على تشخيص الأزمات والتحديات، وإيجاد الحلول الفاعلة لمواجهتها، والانطلاق منها إلى صناعة المستقبل وامتلاك أدواته.
ليس من قبيل المبالغة أن هذه الكلمات إنما تعبر بوضوح عن تاريخ الإمارات منذ نشأتها وحتى وقتنا الراهن، فقد نجحت في التصدي لمختلف الأزمات التي واجهتها، ورسخت من بنيانها الاتحادي، ولم لا والشيخ محمد بن زايد قد عايش عن قرب تجربة المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان في تأسيس الدولة الاتحادية، وكيف تغلب على مختلف التحديات التي واجهته بقوة الإرادة والعزيمة الصادقة والتفاف الشعب حوله، واستطاع تأسيس دولة عصرية تمتلك كل مقومات القوة والتطور، وتعلّم من القائد المؤسس كيف أن الأزمات هي من تصنع الرجال، وتخلق القادة وتبرز قوة الدول وتماسكها، كما أدرك من واقع الأزمات التي عايشها على مدار السنوات الماضية، أن الدول ليست بحجمها وتعداد سكانها، بل تقاس بقوة ووعي شعوبها، وبإرادة رجالها المخلصين في مواجهة المحن والأزمات.
هذه الكلمات تعبر أيضاً عن منهج وثقافة سائدة في الإمارات، عنوانها عدم الاعتراف بالمستحيل، والجدية في العمل، والإصرار على تحقيق المعجزات، مهما كانت طبيعة الأزمات والتحديات. ولعل استمرار مسيرة الإنجازات في الإمارات، رغم جائحة كورونا التي أجبرت معظم دول العالم على إيقاف مشروعاتها وتأجيل خططها المستقبلية، هي خير تجسيد لهذه الكلمات، فقد واصلت الإمارات تنفيذ مشروعاتها العملاقة، سواء في مشروع براكة للطاقة النووية السلمية، أو في الاستعداد لإطلاق «مسبار الأمل» إلى المريخ في الخامس عشر من يوليو المقبل، كما تمضي قدماً في تنفيذ مخططاتها التنموية، لأنها تنطلق في ذلك من تخطيط استراتيجي يأخذ في الاعتبار الاستعداد الجيد للأزمات والكوارث الطارئة، حتى لو كانت من نوعية وباء كورونا المستجد، لأنها تمتلك منظومة قوية في إدارة الأزمات واحتواء تداعياتها المختلفة.
في الوقت الذي شكلت فيه أزمة كورونا تحدياً غير مسبوق للعديد من القادة في دول العالم المختلفة، لما يرتبط بها من مشاعر الخوف والقلق والفزع، وما ترتب عليها من تداعيات سلبية طالت كافة مجالات الحياة، فإنها في المقابل أظهرت عبقرية القيادة في الإمارات التي قدمت نموذجاً يُحتذى به في كيفية إدارة الأزمات وتحويلها إلى فرص، والانطلاق منها إلى المستقبل.
إذا كانت الأزمات تشكل في الأساس اختباراً لقدرة الدول ومدى جاهزيتها للتعامل مع تداعياتها المختلفة، فإن أزمة كورونا أظهرت كفاءة النموذج الإماراتي في إدارة الأزمات، والاستعداد الجيد لها، سواء ما يتعلق بجودة أنظمة الرعاية الصحية والعلاجية في مجال الفحص واكتشاف حالات الإصابة وإجراء الاختبارات اللازمة وغير ذلك، أو ما يتعلق بتوافر البنى التحتية، وخاصة التقنية، اللازمة لتسيير وإدارة العديد من القطاعات، وبالفعل يُحسب للإمارات تطبيق العديد من المبادرات النوعية التي قللت من خلالها الآثار السلبية لجائحة كورونا، مثل التعليم عن بعدُ، والعمل عن بعد، والتباعد الاجتماعي. في الوقت ذاته، فإن إدارة الإمارات لأزمة جائحة كورونا أظهرت أهمية دور القيادة في تجميع الشعب حولها، وترسيخ روح الإرادة لدى أبناء الوطن وبث الثقة فيهم، لمواصلة مسيرة الإنجازات في مختلف مواقع العمل الوطني، فهذا كان مضمون رسائل صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، منذ بداية هذه الأزمة وحتى وقتنا الراهن، والتي أكدت أن الأزمات قد تتحول إلى فرص، ما دام هناك قيادة مبدعة، تشكل مصدر إلهام لأبناء الوطن، وتحفزهم بشكل متواصل على إطلاق طاقاتهم وإبداعاتهم، لتتكامل مع جهود الدولة في مواجهة هذه الأزمات.