ينتهج الرئيس التركي  أردوغان سياسات تناقض القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة ومبادئ حسن الجوار ومبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، في وقت يعطي أولوية لارتباطاته الحزبية مع جماعات وتيارات أيديولوجية في بلدان ترتبط معها تركيا بعلاقات دبلوماسية. وهذه الازدواجية في التعامل، تُحدِث انشقاقاً في البلد الواحد، كما في فلسطين المحتلة، حيث انشقت حركة «حماس» على حساب «السلطة الوطنية» الفلسطينية، وفي الصومال مع «حركة الشباب»، وفي اليمن مع جماعة الحوثي وحزب «الإصلاح»، وكذلك في السودان مع «الإخوان».
وبهذه العلاقات المزدوجة حدثت التصدعات والانشقاقات داخل تلك البلدان، وقد رأينا كيف فعل أردوغان عندما تضايق فأخرج سيناريو صناعة انقلاب، لمجرد أن تيارات معارضة تطالب بحريتها وحقوقها الإنسانية، مع زيادة شعبية الزعيم «فتح الله غولن» الذي يعيش في أميركا، لما يقدمه من أعمال تعود بالنفع على الشعب التركي. ورأينا كيف قام أردوغان بعد ذلك بطرد وإقالة آلاف الأساتذة والمدرسين والضباط والقضاة والمسؤولين والصحفيين.. ليصبحوا عاطلين في الشوارع بلا عمل أو معتقلين في السجون، حيث ما فتئت منظمات حقوق الإنسان العالمية تطالب بإطلاق سراحهم.
وخارج تركيا، يعمق أردوغان علاقاته الحزبية ويوسعها مع جماعات متهمة بالإرهاب، كما فعل مع ميليشيات «إخوان» ليبيا التي ارتهن لها السراج، رئيس ما يسمى حكومة «الوفاق» غير الشرعية.
إن أطماع أردوغان الإقليمية وتطلعاته خارج حدود تركيا، جعلته يخرق وينتهك الأعراف والقوانين الدولية، ضارباً بعرض الحائط حسابات الحدود الجغرافية بين الدول، ليصنع «بدعة» اختلاق تماس حدودي «عن بُعد» مع ليبيا، ويوقِّع مذكرة تفاهم بترسيم حدود بحرية وهمية، مختزلاً بذلك الجغرافيا الواسعة بين ليبيا وتركيا، لتحقيق طموحاته المستحيلة في الهلال النفطي الليبي.
إن أطماع أردوغان جرَّدته من القيم والمبادئ الحاكمة للعلاقات الدولية والسلوكيات السياسية بين الدول. ورغم كثرة تصريحاته حول المبادئ، فهو أكثر الرؤساء تناقضاً معها في سياساته وأقواله وأفعاله. لذلك نراه يتمسك بما يسمى «حكومة الوفاق الوطني» المنبثقة عن اتفاق الصخيرات لعام 2015، رغم أن تفويضها انتهى في 2017، ورغم أنها لم تحصل على أي مصادقة برلمانية. كما ناقض التزامه بحظر توريد السلاح إلى ليبيا، بل زاد على ذلك بأن جلب إليها الآف المرتزقة السوريين، مرتكباً مخالفات إنسانية باستغلال ظروف اللاجئين في إدلب وإرسالهم إلى طرابلس، تماما مثلما تفعل إيران في أي بلد تزرع فيه ميليشيات تأتمر بأمرها..
إن قرار مجلس الأمن الدولي الذي تبنى تشكيل «حكومة الوفاق الوطني» في اجتماع الصخيرات، اشترط أن تكون «حكومة وحدة وطنية»، وهو ما لم يتحقق، حتى أن اجتماعها لا يحقق النصاب القانوني، لذلك ظلت شرعيتها معلقة وغير منجزة، لكونها لا تعكس سائر مكونات الشعب الليبي، ولعدم المصادقة عليها من طرف الهيئة الوحيدة المنتخبة في ليبيا، أي مجلس النواب الليبي.
وفيما يخص توقيع جماعة السراج وأردوغان على مذكرتي التعاون الأمني وترسيم الحدود البحرية، يشير عضو مجلس النواب عن مدينة ترهونة محمد العباني إلى أن «ما قام به رئيس المجلس الرئاسي غير الحاصل على شرعية مجلس النواب الليبي، السلطة الشرعية الوحيدة المنتخبة في ليبيا، أقحم ليبيا في صراع بالمنطقة الغربية من الأراضي الليبية، ودفعها إلى صراع من نوع آخر يهدد منطقة شرق المتوسط وشمال أفريقيا». وبالطبع فهذه الاتفاقية لا يُعتد بها في العلاقات الدولية، إذ لم يصادق عليها مجلس النواب الليبي المنتخب.
وقد أكد محللون غربيون أن الاستعانة بالنظام التركي «نقل مستوى التدخلات الأجنبية في ليبيا إلى مرحلة جديدة تماماً، ما يشكل انتهاكاً صارخاً لقرارات مجلس الأمن الدولي ذات الصلة»، وأن الوقت قد حان لتشكيل حكومة جديدة في ليبيا تحظى بالمشروعية داخلياً وخارجياً.
ممثلو القبائل الليبية طالبوا مصر بـ«حماية ليبيا والمحافظة على ثرواتها لمصلحة أبناء الشعب الليبي»، وناشدوا الرئيس عبدالفتاح السيسي، بالنظر لما يربط ليبيا ومصر من أواصر العلاقة وما يتطلبه واجب الجوار، فكانت الاستجابة سريعة من مصر، على لسان رئيسها عبدالفتاح السيسي، ثم ما أكده رئيس مجلس الشعب المصري من وقوف مع شعب ليبيا الشقيق، بما يتوافق مع أمن مصر القومي لردع خطر الإرهابيين على الحدود الممتدة بين البلدين لنحو 1200 كم. وهذا بحد ذاته يعطي مصرَ شرعيةً أقوى للدفاع عن نفسها بموجب البند 51 من ميثاق الأمم المتحدة، لحماية حدودها من التهديدات الإرهابية. وفي ضوء ذلك لا نتوقع أن يغامر أردوغان وميليشياته بمهاجمة مدينة سرت، إذ تمثل خطاً أحمر بالنسبة لمصر!