في محاولة للقضاء على الروح المعنوية الفلسطينية، فور تنفيذ الفلسطيني هجوماً ضد الاحتلال الإسرائيلي، يهدم الأخير منزل عائلة المنفذ بهدف ردع أي فاعلين محتملين، وإن كان منزل الفلسطيني قرب مستوطنة، يتم هدمه، ولأغراض التوسع الاستيطاني، وتهجير المقدسيين إلى خارج المدينة، وتغيير هويتها الديموغرافية، فاحتمال هدم المنزل شبه مؤكد. وهدم المنازل، كعقاب جماعي، هو أحد أكثر الوسائل المتطرفة التي ينتهجها الاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية، حيث أعدت هذه الممارسة لإيذاء أشخاص فقط لكونهم أقرباء فلسطينيين ألحقوا الأذى أو حاولوا إلحاق الأذى بقوات الاحتلال، بل لربما يطال عقاب الهدم الجيران ومحيط المنزل، ويشهد هدم منازل المقدسيين ارتفاعاً في وتيرته، فالاحتلال لا يمنح المقدسيين تراخيص لبناء أو توسيع منازلهم، بل يهدمها بحجة عدم وجود الترخيص، وتخيّر سلطات الاحتلال أصحاب المنازل بهدم المنزل بأنفسهم أو تتولى هي مهمة الهدم، فيدفع صاحب المنزل تكاليف باهظة، هذه العقوبات الجماعية هي جريمة دولية، وانتهاك للقانون الدولي، يضاف لذلك أنها انتهاك لحق أساسي بحسب قانون حقوق الإنسان، واجب التطبيق في حالة الاحتلال، وهو الحق في محاكمة عادلة، وإلى ذلك يفرض الاحتلال حظر أي بناء جديد في موقع المنزل المهدم، وفي بعض الحالات مصادرة الأرض.
ووفقاً لتقرير «مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة» (بتسيلم)، فإنه قد «تم هدم نحو 2130 مبنى في القدس الشرقية خلال الفترة 2000-2019، إضافة إلى 50 ألف مسكن بشكل كلي، كما هُدم أكثر من 100 ألف مسكن بشكل جزئي في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967»، كما كشفت منظمة «عير عميم»، المنظمة الحقوقية الإسرائيلية، التي تنشط في مراقبة انتهاكات الاحتلال في الضفة الغربية والقدس المحتلتين، أن «بلدية الاحتلال في القدس أجبرت 35 فلسطينياً على هدم منازلهم ذاتياً شرقي المدينة في الأشهر الأخيرة»، وقالت المنظمة: «تم هدم 47 منزلاً في القدس المحتلة تعود لمواطنين فلسطينيين بداعي البناء غير المرخص، وتم هدم 35 منزلاً منها ذاتياً، حيث تقوم العائلات بهدم منازلها لتفادي دفع غرامات مالية باهظة».
ورغم أن المحاكم الإسرائيلية أقرت إمكان الاعتراض على قرار الهدم أمام «محكمة العدل العليا»، فإنها في أغلب الحالات السابقة رفضت الالتماس المقدم باسم العائلة ومنظمات حقوق الإنسان، كما ترفض «المحكمة» باستمرار الاعتراف بعدم قانونية قرارات الهدم، وانحصرت الرقابة القانونية بصورة عامة في المسائل التقنية المتعلقة بتطبيق عملية الهدم، ويبدو أن الأمور على ما هي عليه، حتى يغير العالم من تعامله مع قضية الشعب الفلسطيني، باعتبارها أزمة إنسانية فقط، وليست قضية تحرر من الاحتلال.

*كاتب وباحث سياسي